يرى الأستاذ عامر رخيلة، خلال استضافته، أمس، في جريدة «الشعب»، أن مظاهرات ١١ ديسمبر كانت منعرجا حاسما في مسار ثورة أول نوفمبر، من أجل استكمال تحقيق هدف الاستقلال الوطني.. كونها سمحت بتكثيف العمل المسلح، خاصة الفدائي منه الذي شهد تراجعا سنة ١٩٥٧ نتيجة تزايد القمع الاستعماري ضد الجزائريين والتضييق على تحركاتهم.
واعتبر رخيلة، أن قيادة الثورة سجلت حضورها منذ اندلاع هذه الأحداث، وهذا بإدارتها وتوجيهها عن بعد.. وإضفاء عليها طابع الاستمرارية في مقارعة الاحتلال، خاصة في اليوم الموالي لـ١٠ ديسمبر، أي نهار ١١ ديسمبر، الذي هتف فيه الجزائريون بشعارات قوية منها: «حرّروا القادة الـ٥».. «حرروا فرحات عباس».. و«تحيا جبهة التحرير الوطني».. كلها عناوين سياسية كان لها الأثر البليغ، والوقع الأليم على القيادات الفرنسية والمستوطنين.
وانطلاقا من هذا الوضع السياسي الجديد، الذي أفرزه الجزائريون، كان التحول الواسع في ردود الفعل للاستعمار الذي شعر بقوة الضربة التي لحقت به على الصعيدين الداخلي والخارجي.. وهذا أولا من خلال الشروع في التفكير في حلول جدية.. بعد كل الفشل الذريع الذي أصاب التوجه الأمني لفرنسا، مع ارتفاع فاتورة الحرب بشكل يستحيل مواصلة السير عليه.. ثانيا العزلة الدولية التي عرفتها السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، خاصة على مستوى ما كان يعرف بالكتل ـ آنذاك ـ وخير دليل على ذلك، خروج الاتحاد السوفياتي عن تحفظه تجاه القضايا العادلة في العالم، منها تقرير مصير الشعوب الخاضعة لنير الاستعمار وتخلصه من ضغوط الأحزاب التابعة لها إيديولوجيا في تلك البلدان.
وفي هذا السياق، نبّه رخيله، إلى أن فرنسا كانت تراهن على انبعاث قوة ثالثة، إلا أنها سقطت سقوطا حرا عندما ثار الجزائريون ضد هذا الاحتلال، بالشكل الذي لم يكن في حسبانهم.
لذلك امتدت المظاهرات إلى نواح أخرى من الجزائر العاصمة كمناخ فرنسا، حسين داي، ديار المحصول، المدنية، الحراش.. ما يوحي بأن بصمات القيادة الثورية بارزة في إدراج هذا الرفض الشعبي للاستعمار ضمن الإرادة الحاسمة لمكافحة ومقاومة المحتل بكل الوسائل المتاحة.. كل هذا زاد من ضغط الجزائريين على فرنسا من أجل التفكير مليا في صيغ أخرى لإنهاء الاحتلال.
ومن هنا شرع ديغول في الحديث عن «السلم» مع الثوار الجزائريين، بعد أن تأكد بأنه لا يمكن الذهاب إلى أبعد من هذا الحدّ على أكثر من صعيد سياسي أو عسكري كل الطرق المتبعة فشلت فشلا ذريعا، بعد اصطدامها برفض الثورة لكل أنصاف الحلول السياسية، ونجاح الثوار الجزائريين في إفشال كل المخططات الحربية الفرنسية فحتى «موريس» و»شال» لم يشفعا لها.
هذا الوزن لأحداث ١١ ديسمبر، استطاع أن يكون متنفسا للثورة في معاودة النشاط المسلح على مستوى العاصمة، وهذا بتفعيل كل الأفواج، وتوجيه ضربات أخرى لفرنسا.. ومصالحها الحيوية بالجزائر.. وإدراكا منه لأهمية تأثير المظاهرات على مسار الثورة، فإن الأستاذ رخيلة يقدّر بأن مصطلح العفوية لا وجود له في النضالات الثورية، وإنما هناك التراكمات الناجمة عن احتلال غاشم.. مرفوض في الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري.. وكان لابد أن يأتي اليوم الذي ينتفض فيه الجزائريون ضد هذا المحتل.. لذلك فإن الأحداث بالنسبة للأستاذ رخيلة متساوية في عنفوانها ضد الاستعمار، سواء في العاصمة في الشمال القسنطيني أو في عين تيموشنت أو مؤتمر الصومام، وغيرها من مناطق الوطن العزيز.. المهم من كل هذا أن هذه المظاهرات كانت ضد الاستعمار.. وتوّجت بمحطات تاريخية هامة خلال المراحل اللاحقة، منها مفاوضات «إيفيان» التي انتهت باستقلال الجزائر.
منعرج حاسم في مسيرة الثورة
سقوط الأطروحات السياسية الفرنسية الكاذبة
جمال أوكيلي
شوهد:312 مرة