سلط الدكتور بشير مديني، باحث في الحركة الوطنية بجامعة الجزائر، أمس، الضوء على الأحداث التي سبقت مظاهرات 11 ديسمبر 1960، والنتائج الايجابية التي حققتها هذه الأخيرة لصالح الثورة، مؤكدا في محاضرته التي نشطها بمنتدى الأمن الوطني، أن المظاهرات كانت الضارة النافعة في التعجيل بدراسة القضية الجزائرية في أروقة الأمم المتحدة، ودفعت بالعديد من العواصم الأوروبية للاعتراف بعدالة قضيتنا، كما أفشلت مخططات الجنرال شارل ديغول في التعامل مع الثورة.
استهل بشير مديني محاضرته بتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المتداولة حول أهم المحطات التاريخية البارزة في ثورتنا، وحصرها في تسميات صغيرة منها مجازر الثامن ماي 1945، ومظاهرات الـ11 ديسمبر 1960، قائلا أن المدرسة الكولونيالية ليست بعيدة عن هذا التقزيم الذي يمس بتضحيات أجدادنا، موضحا أن المنطلق الحقيقي لمظاهرات 11 ديسمبر 1960 من عين تيموشنت بتاريخ 9 ديسمبر من نفس السنة، لتتوسع فيما بعد إلى باقي الولايات وصولا إلى العاصمة الجزائر يوم الأحد 11 من نفس الشهر والسنة، حيث اختار الجنرال شارل ديغول الغرب الجزائري لنشر سياسته الجهنمية، باعتبار أنها مناطق مسيطر عليها من قبل عدد كبير من المعمرين.
وأضاف الأستاذ الجامعي، أنه حين مجيء ديغول في 12 ماي 1958 استعمل ثلاثية الحديد والنار من خلال ما سماه «الجزائر فرنسية»، هذه الأخيرة عرفت أبشع العمليات العسكرية مثل العصفور الأزرق، وفي بداية 1959، انتهج مرحلة «تقرير المصير» حسب مفهومه، لكنه لم يتمكن من ترسيخ هذه المسألة بسبب العمل الدبلوماسي والعسكري الذي لعبته الثورة، مؤكدا أن هذه الأخيرة هي الوحيدة في العالم التي تمكنت من نقل العمليات العسكرية في أوت 1958 من الداخل إلى قلب الدولة الاستعمارية بليون، باريس ومارسيليا كتحد لفرنسا.
وقال أيضا أنه ابتداء من جوان لغاية نوفمبر 1960، بدأ ديغول ينتهج منحى «الجزائر جزائرية» التي تعني من منظوره فصل الصحراء عن الشمال، والجلوس للتفاوض مع أطراف جديدة لم تشارك في الثورة، وهي ما أسمته بالقوة الثالثة التي تمثل بعضا من الحركات المصالية المعادية للثورة وتنظيم بلونيس.
وأشار المحاضر في هذا الإطار، إلى أن قادة الثورة حين أدركوا المقاصد الخبيثة لديغول انتهجوا استراتيجية جديدة في مواجهة فرنسا، وأحكموا عملية التنظيم، حيث استغلوا تحفظ الولايات المتحدة الأمريكية التي كان يقودها الرئيس جون كينيدي من السياسة الفرنسية، ورغبته في إنصاف الشعوب الضعيفة للقيام بالمظاهرات، وتزامن ذلك مع إصدار الدول الأفروآسيوية لائحة تطالب المجتمع الدولي بضرورة الاعتراف بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم.
وأبرز الباحث في تاريخ الحركة الوطنية أن الشعارات التي رفعها المتظاهرون الذين كان يتراوح سنهم ما بين 8 و15 سنة كانت تنادي بجزائر كاملة، ووحدة التراب الوطني، وإطلاق المساجين وجزائر فرحات عباس.
وعن نتائج المظاهرات، قال مديني أنها لقنت فرنسا الاستعمارية دروسا في المواجهة واستراتيجية التعامل معها، وعملت على تحريك المجتمع الجزائري في سياق الوحدة بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وجيش التحرير الوطني، حيث كانت مظاهرات 11 ديسمبر 1960 ثورة شباب جعلت اليمين الفرنسي يقف مندهشا وزرعت التذبذب في جيش وساسة الدولة المستعمرة، مما أدى إلى محاولة انقلاب ضد شارل ديغول، كما أن المظاهرات تعبير عن شروع فرنسا في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الوفد الجزائري.
من جهته، قدم الإعلامي السابق في جريدة «المجاهد» محمود بوسوسة شهادته حول ما جرى في المظاهرات كونه شارك فيها وعمره آنذاك لا يتعدى 16 سنة، قائلا أن المظاهرات انطلقت من الأحياء الشعبية.