رجل المناضل والإطار الملتزم بن قايد علي بشير في ذمة الله

خـدم الجزائر قولا وفعلا لتكون دومـا في طليعة الأمم

سعيد بن عياد

 انتقل المثقف الثوري وإطار الأمة، بشير قايد علي، إلى رحمة الله يوم 26 نوفمبر 2014.
ولد الراحل في سنة 1934 بالبرواقية (ولاية المدية)، والجزائر تعاني لعقود طويلة من ويلات الاستعمار الفرنسي، وبعد أن تابع كباقي أطفال الجزائر التعليم بالمدرسة القرآنية على يد جدّه سي احمد وبالمدرسة الابتدائية بقرية مسقط رأسه، التحق بثانوية «بن شنب» بمدينة المدية، التي درس بها إلى غاية 1956. وكانت تلك السنة حاسمة له ولمساره، فلم يتردد يومها الفقيد، وعن قناعة، في مغادرة مقعد الدراسة بالمستوى النهائي، بعد صدور نداء الإضراب الموجه للطلبة من جبهة التحرير الوطني التي كانت تقود الثورة التحريرية بكل ضراوة ضد الاحتلال الفرنسي. وقد لقي النداء صدى كبيرا في أوساط تلاميذ الثانويات بالأخص.
مضت أشهر قليلة وبالضبط في فيفري 1957 فأوقفته قوات الاحتلال العسكرية رفقة عمر فراجي (صناعي وممول للثورة بقيادة جيش وجبهة التحرير الوطني) ومعهما الشهيد محمد شريط. وأثناء الاعتقال تعرّض بشير إلى تعذيب جهنمي بمركز الاعتقال (سجن البرواقية)، خاصة من طرف مصالح القبعات الحمر، الذين مارسوا في حقه شتى أنواع الاستنطاق، تحت أنظار والدته يامنة وقريبيه (الشقيقان في سنّ الطفولة الصعبة آنذاك) إسماعيل (10 سنوات) وحميد(7 سنوات) وهو شاهد عيان. بعد تلك الفترة القاسية أرسل من طرف جلاديه مجددا إلى مزرعة «موسكوني»، والتي كانت مركزا لتعذيب رجال الثورة والمناضلين والمواطنين الرافضين للاحتلال، ثم تواصلت رحلة العذاب ومقاومة الجلاد، فألقي به في سجن «داميات» إلى غاية سنة 1959. ولدى خروجه منه التحق بالبليدة، حيث اشتغل بالشركة العائلية «بوزيدة»، مما مكّنه من مواصلة العمل في صفوف الثورة ضد الاحتلال الفرنسي بالتكفل بمهام الاتصال بين المنظمة المدنية لجبهة وجيش التحرير الوطني بالولاية الرابعة التاريخية. وفي يوم 1 جوان، ولدى خروجه من مدينة البرواقية، وبالضبط على مستوى «مرتفع بن شكاو»، وقع حادث مدبّر مع سبق الإصرار، كان وراءه مسؤول البوليس الاستعماري للبليدة وهو عنصر متطرف في صفوف المنظمة المسلحة السرية (OAS)، الذي دفع بسيارته القوية سيارة الفقيد محمّلة بأسرته وهو حديث الزواج بهدف إسقاطها إلى أسفل المنحدر قاصدا القتل. وفعلا أدى ذلك الحادث الإجرامي إلى إصابة بشير بجروج بليغة، بينما توفيت على الفور والدته يامنة، زوجته وابنة أخيه الصغيرة. وعقب استرجاع السيادة الوطنية مباشرة شارك في امتحان شهادة البكالوريا فتحصل عليها، ليلتحق بعالم الوظيفة بوزارة المالية للدولة الجزائرية المستقلة، حيث شغل منصب مفتش للخزينة إلى غاية سنة 1966، تاريخ حصوله على انتداب للتكوين بالمدرسة الوطنية للإدارة (الدفعة الأولى). وفي 1970، وهو حائز على دبلوم تلك المدرسة الكبيرة والعريقة، انضم إلى وزارة الداخلية في عهد المرحوم مدغري، ثم كانت له مسيرة وظيفية كعون للدولة، بكل من الوزارة الأولى، ثم رئاسة الجمهورية، متوليا عدة وظائف إلى أن اعتلى صف إطار سام للأمة. وأنهى الراحل قايد علي بشير مساره المهني الطويل بمحافظة الإصلاح والتجديد الإداري إلى غاية سنة 1989، ليحال بعدها مباشرة إلى التقاعد، فاهتم بشكل أكثر قربا ودفئا بأسرته، التي تحتفظ له بماضيه الشريف ونضالاته الوطنية الصادقة والتزامه المطلق بخدمة الجزائر والرقي بشعبها في كل ربوع البلاد. ولسانهم وكل من عرفه يقول، نم هنيئًا فقد انتقلت إلى العالم الآخر بجوار الصادقين الذين لم يبدلوا تبديلا، وتركت إرثا غير مادي وهو العلم والمعرفة لأبنائك الأربعة الذين يواصلون على نفس الدرب خدمة لبلدهم وتنمية لشعبهم في ظل صراع الأمم على امتلاك سلاح العلوم والمعرفة التكنولوجية وحفظ الرصيد التاريخي للمجموعة الوطنية بكل من شارك في إنجازه بالعمل قبل القول.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19526

العدد 19526

الأربعاء 24 جويلية 2024
العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024