أكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية نبيل كحلوش، أن معرض الجزائر للتجارة البينية الإفريقية 2025 يمثل فرصة استراتيجية للقارة الإفريقية للخروج من التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعانيها، مشيراً إلى أن القارة تمتلك إمكانات هائلة في الموارد والسكان لم تُستثمر بعد بالشكل الكافي.
قال الأستاذ نبيل كحلوش في تصريح لـ»الشعب»، إن معرض التجارة البينية ليس مجرد فضاء تجاري، بل منصة لإعادة بناء التكامل الإفريقي وتعزيز السيادة الاقتصادية والسياسية للدول المشاركة، لافتا إلى أن القارة السمراء تعيش مفارقة عميقة بين الإمكانات الهائلة التي تمتلكها والواقع الصعب الذي تعانيه شعوبها. ويرى كحلوش أن إفريقيا التي تضم خمسا وخمسين بلداً، وتعد ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، لم تنجح بعد في تحويل هذه المميزات إلى عناصر قوة حقيقية. بل على العكس، تحولت مساحتها الواسعة في كثير من الأحيان إلى عبء أمني على دول لم تتمكن من السيطرة عليها، فتحولت أراضيها إلى ساحات مفتوحة للنزاعات المسلحة.
وبلغة الأرقام كشف كحلوش أن المبادلات التجارية البينية في القارة لا تتجاوز خمسة عشر في المائة، وهو ما يعني أن خمسة وثمانين في المائة من المصالح الاقتصادية تظل مرتبطة بالخارج، وحسب تحليله، فإن هذا الوضع يقود إلى حلقة مفرغة، فكلما ضعفت السيادة الداخلية، زاد التدخل الخارجي، وكلما تعاظم التدخل تعمق الضعف، وهو ما يعرقل أي مسعى جاد نحو التكامل الاقتصادي والسياسي بين الأفارقة.
وفي تشخيصه لأسباب ضعف المبادلات التجارية، أوضح كحلوش أن غياب قاعدة صناعية قوية يمثل عائقاً مركزياً، حيث تكتفي الدول الإفريقية في الغالب بتصدير المواد الخام إلى الخارج، وتعود لشراء المنتجات المصنعة بأثمان مضاعفة، ويرى أن هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لنقص الاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيا.
وأشار كحلوش إلى أن ضعف شبكات النقل يمثل عائقا آخر، موضحا أن غياب خطوط سكك حديدية عابرة للدول، وقلة الرحلات الجوية والبحرية المباشرة، يجعل التبادل التجاري البيني مكلفاً وبطيئا حتى أن استيراد سلعة من أوروبا قد يكون أيسر وأرخص من جلبها من بلد إفريقي مجاور..هذه المفارقة - يقول محدثنا - فتحت الباب واسعاً أمام الموردين الأجانب ليستغلوا قوة سلاسل الإمداد لديهم ويفرضوا هيمنتهم على الأسواق الإفريقية.
وفي ظل هذه التحديات التي تواجه إفريقيا، يؤكد كحلوش أن معرض الجزائر للتجارة الإفريقية البينية يشكل فرصة استراتيجية للخروج من هذه الحلقة المغلقة، لأنه ليس مجرد فضاء تجاري لعرض المنتجات، بل هو منصة لتبادل التجارب وإيجاد حلول إفريقية للتحديات المشتركة، ويعتبر محدثنا أن بعض التجارب الإفريقية تشكل نماذج ملهمة يمكن الاستفادة منها، على غرار تجربة الجزائر في مجال البنى التحتية وشبكاتها الطرقية والسكك الحديدية التي تغطي مساحات شاسعة في بيئة جغرافية متنوعة، ومثلها تجربة جنوب إفريقيا في تطوير القطاع المالي والخدمات الرقمية.
ويضيف كحلوش أن أهمية المعرض تتضاعف إذا ما وضع في سياق الظرف الجيوسياسي الدولي الراهن، حيث يعيش العالم حالة من الاستقطاب الحاد بين القوى الشرقية والغربية، وصراعات مفتوحة على النفوذ الاقتصادي. وفي هذا السياق، يرى أن الاستقلال الاقتصادي لإفريقيا لم يعد خياراً، بل ضرورة وجودية، وأن أي تأخر في بناء شراكات إفريقية ـ إفريقية حقيقية سيجعل القارة أكثر هشاشة أمام التدخلات الأجنبية.
ووفق كحلوش فإن للمعرض بعدا سياسيا لا يقل أهمية عن بعده الاقتصادي، إذ يمثل رسالة واضحة بأن القارة قادرة على صياغة خطابها السياسي المستقل بعيداً عن التبعية للقوى الكبرى، ويرى أن احتضان الجزائر لهذا الحدث يترجم دورها التاريخي في دعم قضايا التحرر والوحدة الإفريقية، ويمنح للدول المشاركة فضاءً للتلاقي ليس فقط اقتصادياً، بل سياسياً ودبلوماسياً أيضاً.
وبحسب تحليله، فإن هذا البعد يكتسب راهنيته في ظل عالم يعيش على وقع صراعات النفوذ بين الشرق والغرب، الأمر الذي يجعل من تعزيز القرار السياسي الإفريقي المستقل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية المستدامة وحماية السيادة الوطنية. ويرى كحلوش أن الجزائر، من خلال تنظيم هذا المعرض، تقدم صورة مصغرة لما يمكن أن تكون عليه إفريقيا إذا وضعت برامج تعاون مشترك واعتمدت على إمكاناتها الذاتية، وبالتالي فإنها رسالة تؤكد بأن القارة قادرة على أن تتحول إلى قوة اقتصادية إذا توفرت الإرادة السياسية الصادقة لدى قادتها.
والمطلوب اليوم - يقول كحلوش - ليس قرارات ظرفية، بل برامج استراتيجية طويلة المدى تشمل التكامل الاقتصادي، تطوير البنى التحتية، دعم البحث العلمي، وإصلاح الأنظمة البنكية بما يجعل إفريقيا قادرة على إدارة المبادلات بكفاءة وشفافية.
وخلص الأستاذ نبيل كحلوش إلى أن معرض الجزائر للتجارة الإفريقية البينية 2025 ليس مجرد حدث اقتصادي عابر، بل هو فرصة لإعادة رسم ملامح القارة، فإذا أحسن الأفارقة استغلالها، فإنهم سيضعون اللبنة الأولى نحو بناء إفريقيا التي تحلم بها شعوبها..إفريقيا قوية، متكاملة، وسيدة قرارها الاقتصادي والسياسي.