امتنـــــــــــــــــــــاع باريــــــس عــــــــــــن تسليــــــــــــــــــم بوشــــــــــــوارب خرق للاتفـــــــــــــــاقيـــــــــــــــــــــات الدوليــــــــــــــــــــة
بهلولي لـ «الشعب»: عدم تسليم مواطن جزائري بتهم فساد مؤشر على سوء نيتها في التعامل الدولي القضائي
خــــــــــرق فرنســــــــــــي للاتفاقيــــــــة الدوليــــــــــــــة لمكافحة الفســاد المعتـــــــدة كأساس قانـــــــــوني مرجعــــــــي
في تصعيد جديد للأزمة بين الجزائر وباريس، رفض القضاء الفرنسي تسليم الفار من العدالة، عبد السلام بوشوارب، والمُدان بعدة تهم فساد من طرف القضاء الجزائري، ما عكس عبثية موقف الإليزيه وازدواجية معاييره تجاه معالجة قضايا الهجرة ومعاهدات ترحيل المجرمين المتابعين والمدانين من العدالة التي تجمع البلدين، بل إن باريس تتحول إلى مأوى للفاسدين والمخربين ما يضع سمعتها الدولية على المحك.
يكشف رفض السلطات الفرنسية، وفق مراقبين، الاستجابة لطلب الجزائر المتكرر والملح حول تسليم المسؤول الأسبق عبد السلام بوشوارب، عن تسييس مفضوح للقضاء عبر استخدام مطلوبين فارين، منهم مخربون ومختلسون وإرهابيون في أجندات سياسية ضد الجزائر، تتضح معالمه أكثر في محاولات حكومة اليمين المتطرف بشكل غير قانوني ترحيل مواطنين آخرين مقيمين ومندمجين في المجتمع المحلي إلى بلادهم، للضغط على الطرف المقابل وابتزازه واستفزازه.
وقد نقضت باريس بعدم ترحيل بوشوارب إلى الجزائر، ما نشرته حكومتها بالجريدة الرسمية الفرنسية يوم 23 مارس 2021م، التي وضعت بموجبه اتفاقية تسليم المطلوبين الموقعة بين البلدين حيّز التنفيذ، بناءً على معاهدة أبرمت في 27 جانفي 2019، وتتعلق بتسليم المجرمين بين الطرفين، وقعها وزيرا عدل الجمهوريتين آنذاك.
وتنص المادة الأولى من ذات الاتفاقية التي جمعت الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وحكومة الجمهورية الفرنسية، على الالتزام بالتسليم للطرفين، والتعهد بأن يسلم كل منها للآخر الأشخاص المتابعين أو المحكوم عليهم من قبل سلطاتهما القضائية المختصة، حسب القواعد والشروط المحددة.
وفي ظل التعنّت الفرنسي حيال تسليم فارين من العدالة الجزائرية، لا يتوانى وزير الداخلية، برونو روتايو، في التورط في ازدواجية معايير بلده أمام مرأى ومسمع الجميع، مبادرا قبل أيام بإعلان لائحة لترحيل جزائريين إلى بلادهم، لكنها لا تحتوي البتة على أيّ مطلوب أو متابع قضائيا رفعت بحقهم الجزائر إنابات عديدة ولم تلق صدى لدى سلطات باريس رهينة حكم اليمين المتطرف.
ووصف مراقبون، نكوص حكومة فرنسا على التزاماتها الثنائية والدولية، ونكثها لاتفاقيات ومعاهدات وقّعت عليها بنفسها وبإرادتها، بالموقف المخزي، الذي ينمّ عن وجود تخبّط في المنتظم السياسي الفرنسي، وضياع بوصلة قراره الرسمي بين ثنايا أهواء وطموحات السياسيين المتطرفين، وأجنداتهم الانتخابية عديمة الجدوى، التي أضحت محلّ سخرية في أوساط النخبة الفرانكوفونية.
وفي ردّها على الموضوع، أشارت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الإفريقية، بأن قرار السلطات الفرنسية رفض تسليم المدان الهارب عبد السلام بوشوارب، يعبر عن غياب تام لتعاون باريس مع الطرف الجزائري في مجال المساعدة القضائية المتبادلة، على الرغم من وجود العديد من الاتفاقيات الدولية والثنائية المخصصة لهذا الغرض.
وأضافت الوزارة في بيانها، أنه في إطار مساعيها الرامية لاسترجاع الثروات المنهوبة من البلاد، اصطدمت الجزائر بشكل آلي ومستمر، ولا تزال تصطدم، بمماطلات ومراوغات وتسويفات غير مبررة وغير مفهومة من الجانب الفرنسي، وهو ما يتجسد في عدم تجاوبه مع خمس وعشرين إنابة قضائية قدمت له.
كما يتفرّد الموقف الفرنسي ويختلف عن مواقف الشركاء الأوروبيين الآخرين الذين يتعاونون مع السلطات الجزائرية بكل إخلاص وصدق، ودون أيّ خلفيات أو دوافع خفية بخصوص مسألة الأملاك المكتسبة بطرق غير شرعية، وهي المسألة التي يدركون أنها تحظى بأهمية خاصة وحساسية بالغة بالنسبة للجزائر.
باريس خرقت معاهدة الأمم المتحدة
أكد الخبير في القانون الدولي، الدكتور بهلولي أبوالفضل، أن تسليم المطلوبين المدانين هو جوهر التعاون الدولي القضائي في مكافحة الفساد والجريمة المنظمة والحد من الإفلات من العقاب، وسدّ الثغرات القانونية التي يستغلها المجرمون خارج الحدود من مهام الاتفاقيات الدولية وليس على أساس المعاملة بالمثل، باعتبارها الإطار القانوني الأمثل للتعاون بين السلطات الجنائية للدول، وفق سياسات جنائية منسقة وفعّالة. وقال الدكتور بهلولي أبوالفضل، في تصريح خصّ به «الشعب»، أن ترحيل المتابعين قضائيا إلى بلدانهم الأصلية، نصت عليه المادة 44 من اتفاقية مكافحة الفساد وتسليم المطلوبين، والجزائر وفرنسا أدخلتا نظام تسليم المجرمين الفارين من العدالة في تشريعات نظامهما الدّاخلي ضمن نطاق القانون الدولي.
واعتبر بهلولي عدم تسليم فرنسا لمواطن جزائري فرّ إلى أراضيها بتهم فساد مؤشر على سوء نيتها في التعامل الدولي القضائي، ورفضها أمر مخل بمبادئ التعاون الجنائي الأممي في مكافحة الجرائم بمختلف أشكالها. كما يعني قرار الرفض تشكيكًا فرنسيًا في نزاهة منظومة الجزائر القضائية، وهي رؤية مجانبة للصواب ومخالفة تمامًا للواقع، بدليل تعاون الدول الأوروبية الأخرى معها في نفس المجال، على غرار تسليم بريطانيا للمطلوب عبد المؤمن رفيق خليفة، نظرًا إلى تقديم وتوفير ضمانات كافية لمحاكمته العادلة، وفقًا لذات المحلل.
من جهة أخرى، مثّل امتناع فرنسا عن تسليم بوشوارب، بحسب بهلولي، خرقًا للاتفاقيات الدولية، خاصة الأممية منها، على غرار الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد المعتدة كأساس قانوني مرجعي للمعاهدات الثنائية والجماعية، وهو ما يضع حكومة باريس في وضعية انتهاك صارخ للالتزامات الدولية، ويمكن للجزائر إيداع شكوى لدى مكتب الأمين العام للأمم المتحدة حول مخالفتها لاتفاقية تقويض الفساد في مجال التعاون الدولي. علاوة على ذلك، فقد خالفت فرنسا دستورها الذي أقرّ سمو المعاهدة الدولية على القانون الداخلي، بالرغم من أنها أصدرت قانون التسليم في 10 مارس 1927م، المعدل عام 2004م، بما يجعلها تخلط بين الإداري والقضائي في إدارة شؤونها الخارجية، مثلما أضاف المصدر.
وتابع يقول: «لا توجد أيّ موانع قانونية فرنسية لتسليم المحكوم عليهم، حيث يتوفر عنصر الاختصاص لكون الجريمة وقعت على أراض جزائرية، بالإضافة إلى الهوية الشخصية للمتابع باعتباره يحمل الجنسية الجزائرية، ولا يوجد أي إسقاط للعقوبة أو تقادم الدعوى العمومية، وعليه كانت هناك اعتبارات سياسية عليا جعلت باريس لا تستجيب لطلب ترحيل المدانين بجرائم فساد وخيانة، بضغط من اليمين المتطرف». فرنسا برفضها تسليم بوشوارب وغيره من المطلوبين المدانين بجرائم فساد، تساهم بنهج استعماري جديد في نهب ثروات الجزائر، وتعرقل عمدًا جهود التنمية المستدامة فيها، وبذلك تخرق باستهتار النظام الدولي القانوني في مكافحة الفساد، وتدوس على الاتفاقية الأممية التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار رقم 116/45 التي نصت على نموذج صريح لتسليم المجرمين بين الدول، يختم الخبير في القانون الدولي، الدكتور بهلولي أبوالفضل.