يعد مشروع قانون تجريم الاستعمار مطلباً شعبياً طالما نادَت به الحركات الجمعوية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية على مدار عقود. ويكتسب هذا المطلب أهمية بالغة من الناحية السياسية والقانونية والتاريخية، كما يرى الدكتور أبوالفضل بهلولي، أستاذ القانون الدولي.
في تصريح لـ «الشعب»، اعتبر الخبير القانوني أن طرح البرلمان الجزائري لمبادرة تهدف إلى سنّ قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830-1962) خطوة سترتد بتأثيراتها على البرلمانات العالمية والعربية والأفريقية.
وأوضح الأستاذ بهلولي، أن تشكيل لجنة خاصة على مستوى المجلس الشعبي الوطني لصياغة مشروع قانون تجريم الاستعمار، هو مطلب شعبي طالما نادت به الحركات الجمعوية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية منذ عقود، مشيراً إلى أن السياق الدولي والإقليمي، بالإضافة إلى الحكم الرشيد والإصلاحات الداخلية، قد ساهم بشكل كبير في إعادة طرح هذا المشروع المهم من الناحية السياسية والقانونية والتاريخية.
ويعتقد الخبير في القانون الدولي، أن هذا القانون سيشكل نموذجاً عالمياً، لاسيما في الدول والشعوب التي تعرضت للاستعمار.
وأشار المتحدث، إلى أن المشرع الجزائري، وبالتعاون مع هذه اللجنة الخاصة، سيعتمد على مصادر القانون الدولي في صياغة هذا القانون. ومن بين الأسس القانونية التي ستستند إليها، يأتي في مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة، الذي يدعو إلى ضرورة تصفية الاستعمار، وكذلك قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صدرت في ستينيات القرن الماضي على إثر الثورة الجزائرية، والتي كان لها تأثير كبير في دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها والاستقلال. كما سيستند إلى ميثاق الاتحاد الإفريقي الذي يندد بالاستعمار، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة التمييز العنصري ومنع استخدام الأسلحة الكيميائية أو التجارب النووية.
وأضاف بهلولي، أن هذه الأسس ستمنح القانون توجهاً جديداً بالنسبة للمشرّع الجزائري، الذي سيضعه تحت إطار القانون الدولي والمعايير الموضوعية. وهذه خطوة أساسية ومهمة في سياق التشريعات الجزائرية.
وتابع الاستاذ قائلاً، إن واضعي هذا القانون سيتجنبون النهج الفرانكفوني الذي كان سائداً في الماضي عند صياغة النصوص القانونية، خاصة فيما يتعلق بتحديد مصطلحات الاستعمار وأخطائه على النطاق الجغرافي. وسيحرص المشرعون أيضاً، على التأكيد على المواثيق الدولية، بما في ذلك قرارات الاتحاد الإفريقي الأخيرة التي تعتبر الاستعمار جريمة، مما سيجعل هذا القانون نموذجاً قاريا ودوليا للشعوب التي تعرضت للاضطهاد والهيمنة الاستعمارية.
وفي مقارنة أجراها الخبير، أشار إلى أن الثورة الجزائرية كانت نموذجاً فريداً من نوعه في المقاومة والكفاح ضد استعمار يعد من أعتى القوى الاستعمارية في العالم، والتي انتصرت في الحرب العالمية الثانية. هذه المقاومة أسفرت عن استقلال العديد من الشعوب والدول، وهو ما يعزز من أهمية مشروع قانون تجريم الاستعمار، الذي من المتوقع أن يشجع العديد من البلدان على اتخاذ خطوة مشابهة.
كما أضاف، أن مشروع القانون سيستند إلى قرارات محكمة العدل الدولية التي ترفض الاحتلال وتدعو إلى تصفية الاستعمار، وتنبذ الهيمنة واستغلال الثروات البشرية.
في ظل النظام الدولي الجديد، يرى الخبير أن الجزائر ستمضي قدماً في مسار إبعاد الهيمنة الاقتصادية العالمية، ما يمنح هذا القانون بعداً قانونياً مهمّا على المستوى الدولي.
أما على الصعيد الداخلي، فإن هذا المشروع يكرس حق الشعب الجزائري في الحرية، وهو ما ورد صراحة في الديباجة الجزائرية التي تؤكد أن الشعب الجزائري وُلد حرا وسيظل حرا.
ويعتبر الأستاذ بهلولي، أن الوقت مناسب جداً لإحياء هذا المشروع، مشيراً إلى أن البرلمان الجزائري سيكون له تأثير كبير على البرلمانات العالمية والعربية والأفريقية في هذا السياق.