استطاعت الجزائر تحقيق انتصار حاسم على الإرهاب، بدون دعم من المجتمع الدولي، معتمدة على مقاربة شاملة لمكافحة الخطر الإرهابي، لتصنع لنفسها تجربة أصبحت نموذجا يحتذى به على المستويين الإقليمي والدولي، وقد تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حسبما جاء في كلمة رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، في يوم دراسي بمناسبة ذكرى 19 مارس 1962.
أبرز بوغالي خلال هذه الكلمة، التي ألقاها في اليوم الدراسي بمناسبة الذكرى 63 ليوم النصر 1963- 2025، أمس، الاستراتيجية المحكمة والجهود المبذولة من قبل سلطات البلاد في دحر الإرهاب، أن مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة «ليست مجرد تحديا عابرا أو ظرفا مؤقتا، بل هي تحديا جماعيا تتطلب عملا مستمرا، وتعاونا وثيقا، ورؤية استباقية تضمن حماية المجتمعات وبناء مستقبل آمن للجميع.
واستعرض في كلمته، التجربة الجزائرية التي تبرز كنموذجٍ ناجحٍ ورائد لمقاربة شاملة ومتكاملة في مكافحة الإرهاب؛ مقاربةٌ تقوم على مبادئ أساسية، أبرزها ضرورة تجفيف المنابع المادية والفكرية للإرهاب، وربط السلم والأمن بالتنمية، وتعزيز التنسيق والتعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة بفعالية.
وذكر بوغالي بالمقاربة التي اعتمدتها الجزائر في محاربة الإرهاب والتطرف، والتي لا تقتصر على المواجهة الأمنية فحسب، بل تبدأ من اجتثاث الأفكار المنحرفة التي تغذيه. لقد أولت الجزائر عناية خاصة للخطاب الديني، فعملت على ترسيخ خطاب وسطي معتدل داخل المساجد، يسهم في نشر قيم التسامح والاعتدال ويحارب كل أشكال الغلو والتطرف، وقد شكّل هذا النهج ركيزة أساسية في المقاربة الشاملة التي انتهجتها الجزائر، وتكاملت الجهود السياسية والاجتماعية والثقافية مع الاستراتيجيات الأمنية في تعزيز مناعة المجتمع، والتصدي للفكر المتطرف.
وإدراكا لخطورة الفضاء السيبراني كجبهة جديدة للتهديدات الأمنية، قال بوغالي إن الجزائر أولت أهمية خاصة لتعزيز أمنها الرقمي، حيث أقر رئيس الجمهورية إنشاء منظومة وطنية لحماية أنظمة المعلومات، إلى جانب تطوير إطار قانوني حديث يتيح استخدام أساليب تحقيق متطورة، مثل التسرب الإلكتروني وتحديد الموقع الجغرافي، بهدف تعزيز قدرة الدولة على التصدي للهجمات الإلكترونية، ومكافحة الجريمة المنظمة في الفضاء الرقمي، حفاظا على الأمن الوطني والسيادة الرقمية.
وأضاف بوغالي في السياق، أنه انطلاقا من أن الإرهاب خطر مشترك، فهو يتطلب استجابة موحدة، ولذلك الذكرى 63 ليوم النصر، وذكر أن رئيس الجمهورية قد أطلق بصفته منسق الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، «مبادرة طموحة تهدف إلى دعم الجهود الدولية، خاصة في منطقة الساحل والصحراء، وترسيخ العمل الإفريقي المشترك لمواجهة هذا التحدي بفعالية».
وشهد اليوم الدراسي، تقديم مجموعة من المداخلات، حيث استعرض ممثل وزارة الدفاع الوطني عمر محمدي، في محاضرته، «المراحل الأولى لظهور الفكر المتطرف بالجزائر وتداعياته والاستراتيجية التي تبنتها الجزائر بداية من التسعينيات لمواجهة الإرهاب».
أما ممثل وزارة العدل، عبد الرزاق بن سالم، فقد تطرق بدوره إلى «المنظومة القانونية والقضائية التي تبنتها الجزائر للقضاء على الإرهاب والتكفل بضحاياه من جميع الجوانب».
من جانبه ركز ممثل المركز الإفريقي للدراسات حول الإرهاب والذي يوجد مقره بالجزائر، ريتشارد بو، على «ضرورة الاهتمام بالتنمية والتكفل بمشاكل الشباب، باعتباره الفئة المستهدفة للتجنيد» من قبل المنظمات الإجرامية والإرهابية.
وأوصى المشاركون في الختام، بضرورة مواصلة العمل من أجل التصدي لظاهرتي الإرهاب والجريمة المنظمة عبر استراتيجية تجمع بين «الردع الأمني وتعزيز التنمية على جميع الأصعدة».