حسمت الجزائر في مقاربتها القائمة على التوافق السياسي في حلّ مختلف المشاكل بالعالم، والمرتكزة على تنويع الشراكات الحقيقية، بعيدا عن المبادلات التجارية التي لا تقدّم الإضافة المنتظرة، حسبما أكّده الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي، الذي أكّد أنّ العديد من البلدان المتطوّرة والكبيرة «تنظر بإعجاب واهتمام للسوق الجزائرية، وهذا ما لم تجده الجزائر في فرنسا».
اعتبر الخبير الاقتصادي الهواري تغرسي في تصريح لـ «الشعب»، أنّ الجزائر انفتحت بقوّة على تنوّع اقتصادي متعدّد الوجهات، فرضته المراحل السابقة وبعد تجربة طويلة ومفيدة، سواء بالنسبة للمبادلات التجارية أو بخصوص عملية الاستثمار، واصفا المقاربة الجزائرية الجديدة بـ»المختلفة» كونها تعتمد على مدى التقارب السياسي والتوافق في حلّ المشاكل السياسية في العالم.
وبعد نجاح ساحق للجزائر ونجاعة خياراتها حول بناء الشراكات مع أفضل وأنسب الشركاء، قال «إنّ الجزائر على توطيد التعاون مع الشريك الايطالي، على اعتبار أنّه شريك تاريخي بفعل وقفته القوية أثناء حرب التحرير المجيدة وبعد الاستقلال، وكذلك خلال أزمة العشرية السوداء، سجلت استثمارات إيطالية ومبادلات مهمّة، على غرار الطاقة، رغم غياب العديد من الشركات الأوروبية».
واستدلّ الخبير، في هذا السياق، بصعوبة توقف الطائرات الجزائرية في المطارات الفرنسية في تلك الحقبة الحالكة.
إقامة شراكات حقيقية مربحة
وتحرص الجزائر كذلك في رؤيتها الجديدة على تنويع الشراكات الحقيقية المبنية على تقاسم المنفعة وحماية مصالح كلّ طرف، وإلى جانب تعاونها القوي والمثمر مع إيطاليا وإسبانيا والصين وتركيا، وقف الخبير تغرسي على حرصها القائم على تعميق التعاون ومضاعفة شراكاتها جنوب- جنوب مع جميع البلدان الإفريقية.
وتطرّق الخبير إلى ما قدّمته الشراكة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي، ويرى أنّها لم تكن شراكة حقيقية على اعتبار أنّه لم يتم على ضوئها تحويل الموارد والثروات إلى منتجات نهائية بصيغة مبدأ «رابح- رابح».
وأشار، في نفس السياق، إلى الأهمية التي تكتسيها الجزائر بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، على خلفية تأكيد مفوضية الاتحاد الأوروبي، بأنّ الجزائر شريك لأوروبا ومن الضروري أن تقوم الشركات الأوروبية بالاستثمار في أكبر بلد إفريقي.
ولم يخف الخبير أنّ الشراكة السابقة خاصّة مع فرنسا، كانت مبنية على منظومة تجارية بحتة، لم ترافق الجزائر في نقل الخبرات والتكنولوجيا، ولم تبسط التأشيرات لتنقل العنصر البشري، لأنّ إشكالية التأشيرة جدّ عويصة والمواطن الجزائري، لا يدري إذا كان سيحصل عليها أم لا، وعلما أنّ الاستثمارات بالجزائر مرتبطة كذلك بحرية تحرك العنصر البشري.
وانتقد تيغرسي، بشدّة الأرقام التي كانت مسجلة في المجال التجاري، وهذا ما حوّل الجزائر إلى سوق استهلاكية للسلع الفرنسية، وعقب وقف الجزائر استيراد فاكهة التفاح، احتجّ الفلاح الفرنسي، من أجل الضغط على الجزائر للاستمرار في عمليات الاستيراد.
منافسة المنتجات الفرنسية
وأثنى الخبير على التحوّل العميق والإيجابي للجزائر، معتبرا أنّ جزائر الأمس ليست جزائر اليوم، لأنّها انطلقت بثقة وشفافية وتخطيط دقيق وقرارات شجاعة تتناسب مع إمكاناتها، وصارت في الوقت الراهن تعتمد على مختلف الآليات لتطوير المنتجات المحلية.
واللافت أنّ العديد من المنتجات الجزائرية صارت منافسة لنظيرتها الفرنسية وتصدّر إلى الكثير من الدول في أوروبا وآسيا وأمريكا وكذا إفريقيا، مشيرا إلى أنّه من المقرّر أن تحقّق الجزائر اكتفاءها الذاتي في مادة القمح الصلب ولن تكون في حاجة إلى استيراد القمح الفرنسي.
ويعتقد الخبير تغرسي أنّ فرنسا خسرت سوقا مهمّا وشريكا مثاليا، سواء بالنسبة للمنتجات الغذائية أو الالكترونية والطاقوية بعشرات الملايير من الدولارات، وكان الأحرى بها أن تفكر في بناء شراكات حقيقية، موضّحا أنّ بيد الجزائر العديد من البدائل الهامّة، من بينها العلاقات الجيدة والطيبة مع الكثير من الدول في مختلف القارات، بداية بإيطاليا وإسبانيا مرورا إلى الصين وتركيا والولايات المتحدة وروسيا والدول الإفريقية.