الرّئيس الفرنسي فضح الخلفية الحقيقية وراء حملة التكالب على الجزائر
اليمين المتطرف يزجّ بالكيدورسيه في متاهة مظلمة مليئة بالمفاجئات
تؤكّد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص الأزمة مع الجزائر، أنّ باريس بحاجة إلى خوض معركة داخلية كبيرة مع اليمين المتطرّف وأنصاره داخل الحكومة، من أجل استعادة علاقة الثقة بين البلدين، حيث أضفى مزيدا من الغموض بخصوص السلم السلطوي لاتخاذ القرار في فرنسا.
بعد ظهور مرتبك وفوضوي، للوزير الأول الفرنسي فرنسوا بايرو، طالب فيه بمراجعة الاتفاقيات الثنائية مع الجزائر وخاصة اتفاقية 1968، خرج الرئيس إيمانويل ماكرون، بتصريح يؤكّد فيه أنّ الأمر «لا يتعلق باتفاقية 1968، وإنما بتطبيق كامل لاتفاقية 1994».
وقال ماكرون من البرتغال، إنه لا يمكن للبلدين «الحديث عبر الصحافة، هذا سخيف، ولم تسر الأمور يوما بهذا الشكل».
خرجة الرئيس الفرنسي، جاءت بعد أسابيع التزامه الصمت، تاركا الساحة «حصرا» لوزير الداخلية برينو روتايو، وقنوات إعلامية مسعورة، وبدرجة أقل وزير الخارجية جون نويل بارو، وأخيرا الوزير الأول، المنتهي سياسيا فرنسوا بايرو. وجاءت تصريحات ماكرون، بعد أقل من 24 ساعة، على بيان شديد اللهجة لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية، حذّرت من مغبة المساس باتفاقية 1968، رغم كونها فارغة من مضمونها تقريبا، وأكّدت أنها سترد بشكل صارم وفوري على أية خطوة فرنسية في هذا الاتجاه، كما رفضت الجزائر مخاطبتها «بالمهل والإملاءات والتهديدات».
فهم جيّدا الرئيس فرنسي، من رسالة الجزائر أنها على أتم الجاهزية لقبضة حديدية، وأنها لن تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، بل إن ردها سيكون قاسيا وشاملا، مع حرصها على الإشارة بالإصبع لليمين المتطرّف وحلفائه في الحكومة الذين يتحمّلون وحدهم مسؤولية ما ستؤول إليه العلاقات. الشيء الوحيد الذي لم يفهمه ماكرون، هو قضية المدعو بوعلام صنصال، التي يريد من خلالها مقايضة استعادة الثقة بين البلدين، وهنا يكون قد فضح الخلفية الحقيقية وراء حملة التكالب على الجزائر من قبل بعض وزرائه وقوى اليمين المتطرّف ووسائل الإعلام، إذ لا يتعلق مشكل الهجرة، بأمن الفرنسيّين مثلما تزعم هذه الأوساط، ولكن بمحاولة ابتزاز العدالة الجزائرية والتدخّل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
وداخل عدة قوى سياسية فرنسية مناهضة للسياسية العدوانية اليمينية، فلا يمكن تقبّل أن تكون العلاقات الثنائية محل تجاذب سياسي فرنسي - فرنسي، دون قدرة السلطة القائمة على استعادة زمام المبادرة. ولو تم التسليم بقبول مسار طبيعي للحوار بين البلدين، فمع من ستتحدث الجزائر؟ إلى الرئيس ماكرون الذي يعترف بضرورة «عصرنة» اتفاقية 1968 مثلما اتفق سنة 2022 مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ويرفض إلغاءها؟ أم مع حكومة فرنسية منقسمة تتحدث عن اتفاقية 1968؟ أم مع وزير الداخلية المندفع نحو خلافة ماكرون، عن طريق استمالة اليمين المتطرّف باستهداف كل ما هو جزائري؟
لذلك تمر استعادة العلاقة مع الجزائر، عبر معركة داخلية يجب أن يخوضها الفرنسيّون فيما بينهم، فإما أن تستعيد فرنسا الرسمية بقيادة رئيسها زمام المبادرة وتسحب البساط من تحت أقدام المتطرّفين، أو ينتصر أحفاد منظمة الجيش السري، ويمضون في تدمير العلاقات الثنائية دون رجعة.
هذه المعادلة، فهمتها الجزائر جيّدا، لذلك اتخذت ما تراه مناسبا للدفاع عن سيادتها، واضعة الحكومة الفرنسية المتزعزعة في زاوية ضيّقة، نتيجة جهلها بالجزائر والجزائريّين ونتيجة تطبيقها لخارطة طريق السفير المتقاعد والحاقد كزافي دريانكور، الذي أوهمها أنّ التأشيرات هي سبيل رضوخ الجزائر.
باتت حكومة بايرو الآن، محل سخرية، أمام الفرنسيّين، لأنّ المهل التي حاولت وضعها للجزائر، رفضت وتخلى عنها ماكرون نفسه، وأصبحت هي نفسها أمام مهلة الانسحاب من موضوع العلاقات الجزائرية - الفرنسية أو مواصلة مغامراتها غير المحسوبة العواقب.