بلد الشهــداء يرفض مخاطبتـه بالمُهل والإنذارات والتّهديـدات
يؤكّد سياسيون ومختصّون أنّ التصريحات الأخيرة لوزراء اليمين المتطرّف في الحكومة الفرنسية، المتحاملة على الجزائر وجاليتها في الخارج، وضعت البلدين أمام نقطة حسم تاريخي، ستحدّد طبيعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية في المرحلة القادمة.
مع استمرار التصعيد وتزامنًا مع إصرار الإليزيه على تعميق الأزمة تحت ضغط وزراء اليمين المتطرّف، تبقى احتمالات العلاقة الجزائرية -الفرنسية مفتوحة على عدّة سيناريوهات، إذ قد تلجأ الجزائر إلى اتخاذ إجراءات حازمة ضدّ باريس، ضمن مبدأ المعاملة بالمثل، وفق ما أشار إليه البيان الأخير لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، الذي أكّد الرفض القاطع مخاطبة بلد الشهداء بالمُهل والإنذارات والتّهديدات، مع السّهر على تطبيق المعاملة بالمثل بشكل صارم وفوري على جميع القيود التي قد تُفرض على التنقل بين البلدين.
وتعليقاً على الموضوع، قال رئيس منظمة الوحدة الجزائرية من أجل الأمن والسلم المدني، شابو فوزي، إنّ النخبة الكولونيالية المتطرّفة الحاكمة في باريس، أثبتت ارتباكها أمام صلابة الموقف الجزائري، المستند على فلسفة بيان الفاتح من نوفمبر 1954م.
وأوضح شابو في تصريح خصّ به «الشعب»، أنّ وزراء اليمين المتطرّف في الحكومة الفرنسية انقلبوا بين عشية وضحاها على الاتفاقيات الثنائية التي جمعت البلدين منذ عقود، وتركوا عقدة التفوّق البالية المترسّبة في عقولهم وعوّضوها بمركب نقص اجتاح تفكيرهم ومؤسّساتهم السياسية بعد تفوّق الجزائر الدبلوماسي والاقتصادي الرّاهن في العالم، بالتوازي مع تقهقر وتراجع نفوذ الإليزيه بمستعمراته السابقة في قارة إفريقيا.
كما أبرز محدّثنا، إنّ تصريحات وزراء اليمين المتطرّف الرّعناء والمستفزّة، كان أثرها عكسياً على الشعب الجزائري، حيث رفعت من حجم وعيه تجاه الأزمة الحاصلة بين الجزائر وفرنسا، وزادت من التفافه حول مؤسّساته الدستورية وعلى رأسها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وأشار المتحدّث، إلى أنّ ردود فعل الجزائر عبر بيانات وزارة الشؤون الخارجية، عكست قوّة الموقف الجزائري واستعداده لكلّ السيناريوهات، أمام الاستفزازات الفرنسية التي لا تتوقف، واعتبر أنّ بيانات الخارجية الجزائرية متطابقة مع الأعراف الدبلوماسية ومع القانون الدولي، ومتوافقة مع الشخصية الدولية للبلاد، وهو ما عبّر عنه بوضوح البيان الصادر، الخميس، ردّاً على التصريحات المشينة لوزير بالحكومة الفرنسية.
وستمثّل الأزمة الحالية منعطفا حاسما في إعادة ترتيب العلاقات بين الجزائر وفرنسا وتشكيلها على أساس الندّية والإحترام المتبادل، لاسيما بعد عزل بقايا الأقدام السوداء، والشروع في تجسيد النهضة الجزائرية المنشودة في شتى القطاعات التنموية والإقتصاية والثقافية والتعليمية، ومنح المواطن أولوية قصوى في السياسات العمومية، بما يتماشى مع مبادئ بيان أول نوفمبر 1954م، بحسب شابو.
ومن جانبه، أكّد رئيس حزب جبهة النضال الوطني، عبد الله حداد،، أنّ الجزائر دولة محورية وقويّة تستطيع معاقبة كلّ من تسوّل له نفسه المساس بتاريخها الثّوري أو سيادتها ووحدة ترابها، منوّهاً بدور الطبقة السياسية الوطنية في الدفاع عن قضايا الأمة، ووقوفها كواجهة سياسية صلبة داعِمة لمواقف الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
ولفت حداد في حديثه لـ»الشعب»، إلى أنّ الحكومة الفرنسية المقزّمة بالصراعات الداخلية بين المكوّنات السياسية، الغارقة في ديون وأزمات اقتصادية، صارت غير قادرة استيعاب ما يحصل في الجزائر المزدهرة والمتطوّرة من تقدّم في شتى المجالات والميادين، وعدم استطاعتها تحريك أذنابها في الداخل مثلما كان يحدث سابقاً.
وأردف المصدر ذاته أنّ تصريحات وزراء اليمين المتطرّف بالحكومة الفرنسية ضدّ الجزائر، أدخلت الإليزيه في دهاليز ومناكفات غير مأمونة العواقب، عقّدت عليه الأوضاع الداخلية والخارجية، وأخرجتها عن سطرته، وهو ما أوصل فرنسا الرسمية اليوم إلى هذا المستوى المخيّب للآمال.
وفي ظلّ هذه الظروف، ثمّن رئيس جبهة النضال الوطني، عبد الله حداد، رؤية رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، التي أعادت للجزائر مكانتها في العالم، وجعلتها فاعلاً محورياً في المحفل الإقليمي والدولي خاصّة في هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي.