البلدان يجسّدان مبدأ حسن الجوار والتكامل الإقليمي

الجزائر -النيجر..مشاريـــــــع استراتيجيــــــــــة كبرى وآفــــــــــاق تنمــــــويــــــــــــــــــة واعـــــــــــــــــــــــــدة

علي مجالدي

 

تتجه الجزائر والنيجر نحو نموذج جديد من التعاون الثنائي، تتجاوز أبعاده مجرّد اتفاقيات اقتصادية ليشكل رؤية استراتيجية تعكس التحوّلات التي تشهدها منطقة الساحل الإفريقي. ولم تكن الزيارة الأخيرة لوزير خارجية النيجر، باكاري ياو سانغاري، إلى الجزائر مجرّد محطة دبلوماسية عادية، بل حملت دلالات أعمق ترتبط بمستقبل التعاون بين البلدين.

العلاقات بين الجزائر والنيجر ليست وليدة اللحظة، بل تمتدّ جذورها لعقود، غير أنّ التطوّرات الإقليمية والدولية الأخيرة دفعت نحو إعادة تكييف هذه العلاقات بما يتلاءم مع التحدّيات الراهنة. ومنذ أعلنت النيجر، بقيادتها الجديدة عن رغبتها في استعادة السيادة على الموارد والبحث عن الدفع بالتنمية، وجدت في الجزائر، «الجار» و»الشقيق» الذي يستطيع تقديم كلّ السند اللازم.
ولقد أصبحت الجزائر فاعلًا محوريًا في ضمان الاستقرار ودعم التنمية في النيجر، خاصّة بعد استماتتها في رفض أيّ تدخلات أجنبية خاصّة العسكرية قبل سنتين، وعملت على تقديم العديد المساعدات الاقتصادية، مع دمج النيجر في مشاريع استراتيجية كبرى خاصّة أنبوب الغاز العابر للصحراء، ما يسمح بتعزيز استقلالها الاقتصادي وتقليل ارتهانها للقوى الخارجية.
وتمثل زيارة وزير الخارجية للنيجر، خطوة مهمّة في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تمّ التأكيد على مشاريع كبرى من شأنها إحداث تغيير جوهري في الاقتصاد النيجري، ودفعه نحو مزيد من الانفتاح والتكامل الإقليمي.
وأحد أبرز هذه المشاريع هو فتح المنافذ البحرية الجزائرية أمام النيجر، ما سيمكّن هذا البلد غير الساحلي من تجاوز العزلة الجغرافية التي أثرت سلبًا على اقتصاده لعقود. عبر استخدام الموانئ الجزائرية، حيث ستتمكّن النيجر من الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة، متجاوزة الحاجة إلى الاعتماد على موانئ دول أخرى قد تفرض عليها تكاليف إضافية أو تعاني من وضع سياسي غير مستقرّ.
وفي السياق، يعدّ مشروع خط أنابيب الغاز بين الجزائر والنيجر أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي ستعزّز مكانة النيجر في سوق الطاقة. هذا الخط سيتيح للنيجر استغلال مواردها الطاقوية بشكل أكثر كفاءة، ممّا يسهم في تقليل هيمنة الشركات الأجنبية على هذا القطاع الحيوي، ويفتح أمامها من الاستفادة من حقوق العبور وتحسين الكفاءة الطاقية في النيجر وزيادة نسب النمو السنوية.
كما تمّ الإعلان عن عزم الجزائر تركيب توربينتين كهربائيتين بقدرة 50 ميغاواط، وهو ما يعزّز إنتاج الكهرباء في النيجر، ويقلّل من الاعتماد على مصادر الطاقة غير المستقرّة التي غالبًا ما تكون غير مستدامة، ممّا يسهم في تحسين مستوى الخدمات الطاقوية لسكان النيجر.
إضافة إلى ذلك، كان قطاع المناجم والتعدين محورًا أساسيًا في المباحثات، إذ تعتزم الجزائر تقديم خبرتها في مجال استغلال الموارد المنجمية، وهو قطاع استراتيجي لطالما عانى من تدخلات أجنبية حالت دون استفادة النيجر الكاملة من ثرواتها الطبيعية. ومن خلال هذه الشراكة، ستتمكّن النيجر من تطوير بنيتها التحتية التعدينية وتعزيز قدرتها على استخراج وتصنيع مواردها المعدنية.
أما في مجال التكنولوجيا، تمّ التطرق إلى مدّ شبكة الألياف البصرية العابرة للصحراء، وهو مشروع استراتيجي سيعزّز من سيادة النيجر الرقمية، ويفتح لها آفاقًا واسعة في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا الحديثة، ممّا يسهم في تسريع التحوّل الرقمي وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
علاقات ممتازة
علاوة على ذلك، يرى العديد من المراقبين بأنّ التحركات الجزائرية الأخيرة في منطقة الساحل ليست مجرّد خطوات اقتصادية معزولة، بل هي جزء من رؤية أشمل تتقاطع فيها المصالح السياسية والأمنية من أجل إعادة التوازن في محيطها الإقليمي، خاصة في ضوء التغيرات التي يشهدها الساحل بفعل التدخلات الخارجية.
 كما أنّ الجزائر لا تنظر إلى الساحل بوصفه مجرّد امتداد جغرافي أو سوق اقتصادي، بل تعتبره عمقًا استراتيجيًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمنها القومي، ومن هذا المنطلق، تسعى إلى فرض مقاربة تقوم على التنمية المستدامة بدلًا من الاعتماد على المساعدات المشروطة أو الهيمنة الاقتصادية، وهو ما يميّز رؤيتها عن بعض القوى الغربية التي تتعامل مع المنطقة بمنطق المصالح الضيّقة.
وكلّ ما تمّ إعلانه من مشاريع، خلال زيارة وزير خارجية نيامي، انطلق فعليا ويجري العمل على استكماله في أقرب الآجال، وبنهاية السنة الجارية، يكون البلدان قد قطعا أشواطا معتبرة في تجسيد التكامل الجهوي بينهما.
محطة لتوليد الكهرباء بالنيجر..هبة الجزائر
وأعلن مجمع سونلغاز، أمس، في بيان له، أنّه سيتكفل بإنجاز محطة لتوليد الكهرباء بالنيجر بقدرة 40 ميغاوات، كهبة من الجزائر. ويأتي ذلك بموجب مذكرة تفاهم وقعها المجمع العمومي، الأربعاء بالعاصمة النيجرية نيامي، مع شركة الكهرباء النيجرية «نيجيلاك»، بهدف توطيد علاقات التعاون والشراكة بين الطرفين. ووفقا للبيان، تتضمّن هذه الوثيقة التي وقعها كلّ من الرئيس المدير العام لمجمع «سونلغاز»، مراد عجال، والمديرة العامة لـ’’نيجيلاك’’، فاتي أبارشي، «جملة من البنود التي تؤطر حدود التعاون والشراكة بين الطرفين بما يسهم في فتح آفاق تنموية جديدة تخدم المصالح المشتركة للبلدين وتعزّز مكانتهما الاقتصادية في المنطقة».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19709

العدد 19709

الثلاثاء 25 فيفري 2025
العدد 19708

العدد 19708

الإثنين 24 فيفري 2025
العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025
العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025