يواجه المغرب حالة من التراجع السياسي والدبلوماسي الحاد على مختلف المستويات، لا سيما في الساحة الإفريقية، تجلّت في إخفاقه عن تحقيق أي اختراق داخل الاتحاد الإفريقي أو الحصول على مناصب مؤثرة في مؤسساته التنفيذية، وعدم دعوته للاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين الذي تحتضنه جنوب إفريقيا.
يؤكّد النظام المغربي، في كل مرة، أنه يخوض معركة التنافس الاستراتيجي مع دول شمال إفريقيا وعلى رأسها الجزائر، على صفحات الدعاية المغرضة ووسائل الإعلام التضليلية، بينما يثبت الواقع أنه يعيش على هامش الأحداث الإقليمية والدولية، مع تفاقم حاد للوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، ناهيك عن تفشّي الشكوك المريبة حول الوضع الصحي للملك محمد السادس، ما فجّر صراع “العرش” قبل أوانه.
وفي الاجتماع الوزاري لقمّة مجموعة العشرين، الجاري تنظميها بجنوب إفريقيا، دعيت الجزائر إلى جانب مصر، نيجيريا، إثيوبيا من القارة الإفريقية، بينما انتهى ذكر المغرب بمجرد انتهاء قمة الاتحاد الإفريقي أين تلقّى هزائم قاسية في انتخابات تجديد الهياكل، حيث لم يفز بأي منها.
هذا الفشل، وفقًا للعديد من المتابعين، لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لسياسات فاشلة انتهجها النظام المغربي، اتّسمت بمحاولات اختراق المؤسسات الإقليمية بوسائل غير مقبولة، بما في ذلك دعمه لمحاولات الكيان الصهيوني للتغلغل داخل الاتحاد الأفريقي، وهو ما قوبل برفض قاطع من غالبية الدول الإفريقية، التي تلتزم بمبادئ الاتحاد في دعم قضايا التحرر ورفض كل أشكال الاستعمار والتبعية.
في هذا السياق، يرى الدكتور منصوري عبد القادر، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريح لـ “لشعب”، إنّ المغرب يجني اليوم ثمار سياساته السابقة المتعثّرة، حيث يعاني من أزمة سياسية عميقة تتجلى في غياب واضح للملك المغربي عن المشهد السياسي بشكل كامل ومنذ سنوات، ما أثار تساؤلات جوهرية حول من يدير شؤون المملكة فعليًا؟ فالملك المغربي غاب عن العديد من القمم الدولية والإقليمية، كان آخرها القمة الإفريقية في إثيوبيا، كما لم تتم دعوة المغرب لحضور قمة العشرين، وهي مؤشرات توحي بعزلة دبلوماسية متزايدة.
علاوة على ذلك، يوضّح منصوري أنّ السياسة الخارجية المغربية باتت مرتهنة لعلاقات غير متوازنة مع بعض القوى الأوروبية، ما جعل المغرب يتحول إلى دولة وظيفية تخدم في كثير من الأحيان أجندات لا تتوافق بالضرورة مع المصالح الاستراتيجية للقارة الأفريقية، التي تسعى إلى شراكات متوازنة مبنية على مبدأ الندية، والتعاون القائم على المصالح المشتركة، وليس التبعية المطلقة.
اقتصاد مأزوم وديون متفاقمة
على الصّعيد الاقتصادي، يواجه المغرب تحديات مستعصية تهدّد استقراره المالي والاجتماعي، حيث يؤكّد الدكتور فرحات محمد، أستاذ الاقتصاد الدولي في تصريح لـ “الشعب”، أنّ المملكة تعاني من أزمة ديون خانقة، تجاوزت 85 مليار دولار مع نهاية عام 2024، ما يضع الاقتصاد المغربي في دائرة الخطر، خاصة مع تراجع معدلات النمو وتفاقم أعباء خدمة الدين الخارجي.
إلى جانب ذلك، ساهمت سياسة الاستثمار الأجنبي غير المدروسة في تفاقم أزمات القطاع الفلاحي، إذ أدّت موجات الجفاف المتكرّرة واستنزاف الموارد المائية إلى اختلالات خطيرة انعكست على الأمن الغذائي. ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، توجّه الدولة استثماراتها نحو زراعات تصديرية مثل الأفوكادو الذي يستهلك كميات هائلة من المياه، بينما تتحكّم في إنتاجه واستثماره شركات أجنبية لا تعير اهتمامًا لمتطلبات السوق المحلية بقدر ما تسعى لتحقيق أرباحها الخاصة.
الواقع الذي يعيشه المغرب اليوم ليس مجرّد أزمة مؤقّتة، بل هو سقوط تدريجي لدولة فشلت في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية، وارتهنت بالكامل لإملاءات خارجية جعلتها عاجزة عن اتخاذ قرارات سيادية. ومع تزايد العزلة الإقليمية، واستمرار تدهور الاقتصاد، يبدو المستقبل أكثر قتامة، حيث لم يعد السؤال يدور حول كيفية الخروج من الأزمة، بل حول متى سيصل المغرب إلى نقطة اللاّعودة، حين تصبح الدولة مجرّد كيان صوري بلا نفوذ، ولا قدرة على حماية مصالحها أو تحقيق الحد الأدنى من الاستقرار لمواطنيها.