تدخل سافـر فـي الشـؤون الداخليـة للـدول ومحاولـة يائسة
سقط البرلمان الأوروبي، مرة أخرى، في امتحان احترام حقوق الإنسان، بتكييف سياسي لقضايا تخص دولة ذات سيادة وسيدة في قرارها الداخلي والقضائي، وذلك عندما تدخل في شأن داخلي جزائري محض. وهو الذي غض الطرف طيلة خمسة عشر شهرا عن مجازر الاحتلال الصهيوني ضد مدنيين عزل في غزة، ولم يحرك ساكنا، وكذلك يفعل إزاء الوضع في الضفة الغربية التي شن الاحتلال ضدها عمليات عسكرية تستهدف هي الأخرى المدنيين العزل.
يؤكد موقف البرلمان الأوروبي من قضية داخلية، من اختصاص القضاء الجزائري وحده، التدخل السافر في شؤون دولة لها قوانينها المتماشية مع التزاماتها الدولية. ورغم أنه لم يفصح في بيان جدول الأعمال عن الجهة المحركة للقضية، المتعلقة بالمدعو بوعلام صنصال، إلا أن الدلائل واضحة بوقوف فرنسا وراء الأمر، وهي التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد توقيف المعني وتقديمه أمام القضاء الجزائري، الذي مازال يحقق في القضية ولم يصدر قراره بعد، ما يعد تجاوزا للحدود وتدخلا سافرا في صلاحيات السلطة القضائية لدولة أخرى. وأبعد من ذلك، يطلب النواب المتطرفون تغيير مواد في القانون الجزائري، تتعلق بحماية أمن واستقرار البلاد ضد المخربين.
وينمّ هذا الموقف الأوروبي، عن ازدواجية معايير متطرفة باتت صريحة وواضحة، أفقدته البوصلة بشأن عديد القضايا السياسية المعاصرة حول العالم، وعن تكييف سياسي يجعل من حقوق الإنسان فزّاعة ومطية للتدخل وورقة ابتزاز ترفع متى ما أراد فرض إرادته على الدول السيدة.
وبعد أن فشلت في محاولتها المنفردة لفرض تدخلها في الشأن الداخلي الجزائري، وعلى أمل أن تسترجع “صندوقها الأسود”، وجدت فرنسا في صعود اليمين المتطرف واكتساحه البرلمان الأوروبي -في انتخابات جوان الماضي، حيث حقق أغلبية ساحقة فيه على حساب أحزاب تقليدية ومعتدلة- فرصة مواتية لحشد نوابه ضد الجزائر وتمرير أجندتها، رغم أن القضية تتعلق بـ “المساس بسلامة وحدة التراب الوطني التي يعاقب عليها القانون الجزائري”.
إدانــة واسعـة
وقد أدان البرلمان الجزائري التدخل السافر وغير المقبول من البرلمان الأوروبي، معتبرا أنه ليس أهلا لتقديم دروس في حقوق الإنسان للجزائر، وهو الذي تواطأ بصمته مع الصهاينة ضد غزة.
كما أدان البرلمان العربي هذا التدخل، معتبرا أنه لا يحق لأيّ طرف التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة مثل الجزائر، داعيا إياه إلى احترام أحكام القضاء الداخلي والتوقف التام عن مثل هذه الأفعال التي “تمثل انتهاكا صارخا لكافة المواثيق الدولية”، التي تؤكد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهي التي تملك من القوانين ما يضمن الحريات وحقوق الإنسان.
وشدد بيان البرلمان العربي هو الآخر، على أنه “لا يحق للبرلمان الأوروبي اليوم تقديم دروس للجزائر أو الدول العربية في تطبيق القانون وحماية الحريات”.