إشادة دولية بفعالية المصالـح الأمنيـة الجزائرية وارتيـاح المحرر وحكومـة بـلاده
بالمرصـاد للإجـرام والإرهـاب.. وتجربــة نموذجيــة في الحمايــة وتوفـير الأمــن
إن الحديث عن جاهزية وكفاءة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، ليست مجرد كلمات وتصريحات عابرة؛ لكنها حقيقة دامغة مرتكزة على وقائع ومواقف ميدانية سُطرت ملاحمها بماءٍ من ذهب
في سبيل أن تحيا الجزائر عزيزة شامخة بين الأمم.
على من يفكر أو يحاول النيل من الجزائر والمساس بترابها المضرّج بدماء ملايين الشهداء، أن يُراجع نفسه والتاريخ وفلسفة تشبيك العلاقات الدولية؛ فقد أثبتت مراحل تكوين ونضال المؤسسة العسكرية الجزائرية بطولات مشرفة تشع نورا في كل أصقاع العالم، بداية من حرب التحرير الكبرى المُلهمة في خمسينيات القرن العشرين، وغيرها من مراحل البناء الوطني التي واكبتها وأثبتت فيها عقيدة راسخة قائمة على صون وحماية البلاد والعمل على تنميتها بلا تفاوض أو مساومة عليهما.
وقد أظهرت العملية الأمنية الناجحة الأخيرة، التي تمّ بموجبها تحرير رهينة إسباني سالما معافى، كان سائحا في صحراء الجزائر دون وقوع أيّ خسائر من يد مختطفيه المسلحين داخل مالي، كفاءة عالية جدا للجيش الوطني الشعبي ولأمنه العسكري، وقدرة فائقة لدى أجهزته على تفكيك المعطيات وتحليل وجمع المعلومات، وتحديد مواقع الجماعات الإرهابية في الساحل وقارة إفريقيا وحتى خارجها بسرعة ودقّة لا متناهية، في خطوة إيجابية عكست مدى التزام جيش بلد الشهداء بمبادئه الراسخة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وحماية حياض الوطن وحدوده بلا هوادة، وصون ورعاية الأجانب الزائرين لأراضيه لأغراض السياحة والاقتصاد والتنمية والبحث العلمي.
انتصار جديد يُضاف للجيش الجزائري
أكد الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، الدكتور عمار سيغة، أن الجزائر لطالما عملت على رصّ الجهود الأمنية، بعيدا عن كل مناورات التدخل الخارجي.
بيد أن تزايد الاختراقات في فضائها الإقليمي، زاد من رفع الجهوزية العسكرية حيال أيّ تدخل مقوضٍ لأمنها القومي، ويزيد من التوترات في ظل تزايد صراع القوى الفاعلة دوليا ورفع مستويات التواجد العسكري الأجنبي في فضائها الحدودي، بما لا ينسجم مع عقيدتها الرافضة لأي تدخل خارجي.
وقال سيغة في تصريح خصّ به “الشعب”، إن نجاح الجيش الوطني الشعبي في تحرير الرهينة الإسباني “نافارو كندا جواكيم”، بعد اختطافه من طرف جماعة إجرامية والدخول به إلى الأراضي المالية، يعكس مستوى الجاهزية الميدانية والمهارة في العمليات الأمنية التي يتمتع بها، رغم تعقيدات الفضاء الجغرافي الصحراوي، والتركيبة المتشابكة لتلك الجماعات، حيث انعكس بموجبه الأمر على مدى كفاءة جهاز المخابرات الجزائري العالية، في الوصول الوجيز إلى المعلومة، وتحديد الموقع المستهدف بدقة وفي مدة قياسية بغية تحرير المختطف، مع تمكّن المصالح الأمنية المعنية من بلوغ الهدف والحفاظ على سلامة وصحة الرهينة وإعادته إلى أهله ووطنه.
واعتقد محدثنا، أن الطّابع السري للعملية، بعيداً عن الأضواء الإعلامية، ساهم بإحكام في تفكيك خيوطها سريعا واسترجاع الرهينة في صحة جيدة، معتبرا السرية هي المُنجز الأهم الذي أغلق كل المناورات والذرائع على القوات الأجنبية للتشويش على خطة تحرير المختطف، وهذا ما ينطبق مع النظرة الاستراتيجية الجزائرية الهادفة إلى تطهير المنطقة من أيّ تواجد عسكري أجنبي.
إشادة رئيس الجمهورية بالعملية النوعية
أبرز الخبير الأمني والاستراتيجي الدكتور عمار سيغة، أن إشادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بالعملية العسكرية النوعية الخاصة بتحرير الرهينة الإسباني، وشكره للقوات الأمنية والعسكرية التي أشرفت على تنفيذ الخطة، يترجم حرصه بصفته وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة، على متابعة الشأن الأمني الوطني والدولي، وإيلائه أهمية قصوى للانسجام والتنسيق بين مؤسسات الدولة، لاسيما بين الرئاسة ومؤسسة الجيش وكافة المصالح الأمنية والمدنية الأخرى، وكذا رغبته الشديدة في تأمين الحدود الوطنية، وصيانة المكتسبات التنموية والدبلوماسية، والالتزام بحماية المواطنين والرعايا الأجانب المتواجدين في كل شبر من التراب الجزائري.
وبالنسبة لرمزية تسليم الرعية المُحرّر من مقر وزارة الخارجية الجزائرية إلى سلطات بلاده، ممثلة في السفير الإسباني، بحسب سيغة، فيُظهر ذلك مدى التزام الدبلوماسية الجزائرية بتعزيز دورها وتقيّدها باحترام الاتفاقيات والأعراف الدولية التي تقتضي حماية الرعايا الأجانب، ورسالة واضحة للعالم على استقلالية القرار الجزائري عن أيّ ضغوط خارجية، فضلاً عن توجيه مفاده، أن السياسة الخارجية الجزائرية تتميز بالاتزان والوضوح، وتسعى بشكل دائم وحثيث لإنفاذ القانون الدولي والشرعية الأممية بكل مستوياتها.
كما مثّلت هذه العملية، رسالة قوية لكل المتربصين بأمن واستقرار الجزائر، وأظهرت صلابة تصديها للجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية التي تحاول التشويش على دورها الدبلوماسي وهي تشغل رئاستها لمجلس الأمن الدولي، وأثبتت فعليا حرصها على الانخراط إقليميا في تأمين فضائها الجيوسياسي بإمكاناتها وقدراتها الأمنية شديدة البأس، وفقا للمصدر ذاته.
مواقف دبلوماسية وقانونية جزائرية ثابتة
اعتبر الخبير سيغة، الأزمات السياسية وانحسار التواجد العسكري الرسمي في دول الجوار، لاسيما في الساحل الإفريقي، مضاعفا للهواجس الأمنية، في ظل تزايد أنشطة الجماعات المتطرفة والإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود، التي تعددت تهديداتها، من اختراقات وتهديدات للمصالح القومية للبلدان، وباتت تتخذ من جريمة اختطاف واحتجاز الرهائن عملا إجراميا لها من أجل المطالبة بفدية لتمويل أنشطتها وتغطية شراء الأسلحة وتجنيد الأفراد، وهو ما ترفضه الجزائر بصرامة بدبلوماسيتها الحصيفة وتُجَرِّمه بقانون خاص.
نجاح الجيش الوطني الشعبي في العديد من عمليات تحرير الرهائن منذ تزايد وتيرة الأنشطة الإرهابية، لاسيما منها بعد سنة 2011 وما عرفته من تغيير كبير في الخارطة الجيوسياسية والأمنية لمنطقة شمال إفريقيا والساحل، وانتشار موجة التطرف والأسلحة بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، لم يثن ذلك من عزيمته في مواصلة مكافحة هذا الشكل المعقّد من الجرائم المنظمة العابرة للحدود والتّغلّب عليها باقتدار، يُضيف الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية عمار سيغة.
دلالات جليّة على يقظة الجيش الجزائري
من جهته، أفاد الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، البروفيسور عبد السلام فيلالي، أن الخبر المُتواتر من أقصى الجنوب الكبير حول تحرير الرهينة الإسباني “نافارو كندا جواكيم”، من بين أيدي جماعة إرهابية، هو مُعطى مهم جدا، يتضمن رسالة على الأهمية القصوى التي تُوليها الجزائر لأمن واستقرار المنطقة برمتها، خاصة مع ما استجد في دولة مالي من خطاب غير ودّي تُجاه بلد الشهداء.
وأوضح فيلالي، في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، أن هذا التحرير يعني أيضا متانة العلاقات بين الجزائر ومجتمع الأزواد المجاور لحدودها، ويفيد أن قوات الجيش الوطني الشعبي لا تتساهل مع أيّ مساس بالأمن القومي وكل ما له صلة به.
وأردف البروفيسور بالقول: “في ظلّ الهواجس التي تجددت، بعد تنصل وإنهاء سلطات مالي، ممثلة في المجلس العسكري، لاتفاقيات الجزائر الموقعة مع الحركات الأزوادية المسلحة في بداية العام الماضي، وجدت بلادنا نفسها وجها لوجه أمام حالة إنكار لما كان تحقق من سلم واستقرار في المنطقة. ويدلّ هذا الاختطاف بالتالي، على التداعيات السلبية له، كما أنه رسالة أيضا لبعض الدول التي لا تريد الخير لهذا الإقليم من خلال دورها السلبي، وبخلق حالة من العداء الوهمي بين الجزائر ومالي، بالنظر إلى العلاقة الودية بين شعبيهما”.
نتائج هذا الجهد الفاعل والسريع بتحرير الرهينة الإسباني المختطف، له دلالة واضحة وجليّة على يقظة قوات الجيش الوطني الشعبي، من حيث تحديد هوية الجماعة الخاطفة، ومكان نشاطها وتواجدها، وهو تحذير كذلك من أيّ تحرك مناوئ سواء ضد الجزائر أو ضد استقرار منطقة شمال مالي، إضافة إلى بروز الجانب الإنساني، من حيث سعي الجزائر للحفاظ على سلامة المختطفين، وهو دور ليس بجديد يجسد تاريخ الدبلوماسية الجزائرية الرصين في ما تعلق بتحرير الرهائن، يختم الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي عبد السلام فيلالي.