تضمن خطاب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الموجه للأمة، ومن تحت قبة البرلمان، الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الجزائرية، للسنوات الخمس القادمة، والتي أكد فيها استمرارية وثبات الجزائر على موقفها من قضايا التحرّر في العالم وعلى رأسها القضيتان الفلسطينية والصحراوية، وعقيدة الجزائر الراسخة إزاء محاولات التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، التي ستواجه بكل صرامة وندّية من الجزائر الدولة ذات السيادة والقرار المستقل.
بيّن خطاب رئيس الجمهورية، التوجه الخطّي للسياسة الخارجية الجزائرية وعمل دبلوماسيتها، تحت قيادته، بفعّالية أكبر لإسماع صوت الجزائر، خاصّة وأن للجزائر سُمعة دولية بصفتها دولة عادلة وذات صوت مسموع، وتساهم بفعّالية كوسيط في حال النزاعات الدولية، أثبت نجاح وكفاءة مقاربته في ذلك، وهي تستند في ذلك إلى الالتزام السياسي والاخلاقي، الذي يعتبر بدوره نتاج تراكم تاريخي لمواقف عادلة ومسانِدة للمستضعفين ومؤازرة لصوت الحق مهما كان ثمن ذلك، حيث اتخذت من مقعدها غير الدائم في مجلس الأمن لسنتين، ابتداء من أوّل جانفي 2024 منبرا لإسماع صوت إفريقيا والدفاع عن الدول الضعيفة.
أولوية قضايا التحرّر
وتتضّح الخطية على وجه الخصوص في موقف الجزائر إزاء القضية الفلسطينية، لتكون الجزائر ضمن الدول القلائل التي ترفع صوتها عاليا للدفاع عن القضية، إحقاقا للحق والقانون وقبل كل ذلك لإيقاظ ضمير إنسانية خضعت لقانون الغاب. فالجزائر لم تفوّت فرصة لترفع راية القضية عاليا، سيما عندما صمّ العالم “المتقدّم” آذانه عن صرخات شعب يتعرّض لمحرقة أمام الكاميرات بل وصوّت ضد وقف الفظاعة، فدافعت من موقعها في مجلس الأمن عن الشعب الفلسطيني وضرورة وقف الإبادة التي يتعرّض لها منذ السابع أكتوبر 2023، على يد المجرمين الصهاينة، وقدّمت مشاريع قرارات لوقف العدوان، مواجهة بها أعداء السلام بحزم وندّية، واستطاعت تمرير القرار القاضي بوقف فوري لإطلاق النار، وحقّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ضد العدوان المستمر منذ أكثر من 76 سنة.
التــزام تــام
ومازالت الجزائر على عهدها ووعدها، إلى أن تنال فلسطين عضويتها الكاملة في هيئة الأمم المتحدة، دولة قائمة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية. إذًا وفي هذا السياق، وتطبيقا لتعليمات السيد رئيس الجمهورية، قادت الجزائر عملا دبلوماسيا حثيثا من أجل حشد أكبر قدر ممكن من الدعم لتمكين دولة فلسطين من الحصول على عضويتها الكاملة بهيئة الأمم المتحدة، وواصلت مسيرة الإجراءات إلى غاية عرض المشروع للتصويت أمام مجلس الامن، بعد أن صوتّت الجمعية العامة لصالح العضوية الكاملة. وأكدّت الجزائر، عبر بعثتها الدبلوماسية الدائمة في الأمم المتحدة، أنها ستواصل وخلال السنة الثانية من عهدتها، كعضو غير دائم في مجلس الأمن العمل على تمكين فلسطين من عضوية كاملة، لقيام دولة مستقلة على حدود 67.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للصحراء الغربية، التي تلقى دعما جزائريا على الصعيد الدبلوماسي والقانوني، باعتبارها قضية تصفية استعمار ومسجلة في اللجنة الأمنية الرابعة الخاصة بتصفية الاستعمار، وقد أكدت ومازالت تؤكد في كل منبر دولي وقاري وإقليمي، على التمسك بالشرعية الدولية واحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره تنفيذا لقرارات هذه الشرعية، التي يراد الدوس عليها عندما يتعلق الأمر بالشعب الصحراوي، والشعوب التي لا صوت لها، ولا تخفي الجزائر موقفها هذا، بل تواجه به دعاة الحكم الذاتي، الذي لا يستند إلى أساس قانوني، بل هو مطية لإطالة عمر النزاع واستنزاف الشعب وثرواته.
رفـض التدّخـل الخارجـي
وإلى ذلك، أكد خطاب السيد الرئيس، الموجه للأمة، أن الجزائر القوّية داخليا، والملتزمة بالقانون الدولي وقواعده، ليس لديها ما تخشاه، ولا يمكن ابتزازها لثنيها عن موقف أو إجبارها على الاصطفاف ضد عقيدتها السياسية والدبلوماسية، وهي في ذلك سيدة قراراتها الداخلية والخارجية، بل تدعو أولئك الذين يلوّحون بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الالتزام بها أولا من خلال تمكين الشعوب المحتلة من تقرير مصيرها، ووقف الإبادة ضد المستضعفين، فهم الأولى بأن يراجعوا أنفسهم وديمقراطيتهم المزدوجة.
ويلخص خطاب الرئيس قوّة الموقف الجزائري الثابت رغم تغير الظروف الدولية، وتمسك الدولة بمبادئ سياستها الخارجية في السلم وحسن الجوار، لكن أيضا في المعاملة بالمثل لمن تسوِّل له نفسه المساس بها، مُستندة في ذلك إلى سمعتها الدولية أولا، وقوّة جيشها وقبل كل ذلك في التفاف الشعب حول قيادته ومساندته لها في كل خطوة على صعيد السياسة الخارجية، خاصّة وأنه لمس نتائج الإصلاحات داخليا، وقوّة الدبلوماسية الجزائرية خارجيا.