“الشعـب” ترصـد تجـارب متميزة في صالون “اكسل إكسبـو 2024”

الأسواق الرقمية.. قصـص نجـــاح جزائريـة

رضا ملاح

آليــات متعـددة لتوفـير بيئـة خصبـة من أجل تطويــر التجـارة الالكترونيــة

من يعتقد أن التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية بالجزائر لا تزال مجرد محاولات وتجارب لا ترقى إلى نشاط وسوق حقيقي يهتم به الجزائريون.. قد يغير نظرته، على الأقل في جزء منها. هذا ما وقفت عليه “الشعب” في صالون التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية “اكسل إكسبو 2024”.

جموع من الشباب اصطفت في طابور طويل تنتظر دخول الجناح “U” بقصر المعارض “صافاكس” في الجزائر العاصمة.. الحدث صالون التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية “إيكسل إكسبو” في طبعته الثالثة (02 إلى 05 أكتوبر).
لأوّل وهلة، اعتقدنا أن الأمر يتعلق بإجراءات تنظيمية أو أسباب أخرى حرمت الشباب من الدخول، غير أنه وفور دخولنا الجناح رصدنا شباب كُثُر وحركية في جميع أروقة ومساحات العرض، ومن هم بالداخل أكثر ممن في الخارج، إنه صالون شبابي بامتياز..
لحظات قليلة فقط داخل الصالون، تكفي للاستنتاج أن الأمر يتعلق باهتمامات شباب بهذا الحدث وما يحمله من مستجدات، وما يقدمه عارضون ومختصون من أفكار مبتكرة وحلول جديدة في التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية..

تجـــارب حيّـة

رفيق وحمزة، طالبان جامعيان بكلية الحقوق بالجزائر العاصمة، أوّل من توجهنا إليهما بإحدى مساحات العرض، لاحظنا اهتمامهما بالاستفسار عن أدّق التفاصيل حول منصة تعرض لأول مرة بالجزائر تسوُّق افتراضي والشراء والبيع بالجملة وخدمات نقل وتوصيل.
في البداية، يتحدث رفيق بتردد عن زيارته إلى الصالون: “ أنا هنا من أجل الاستفسار عن أشياء تخص التجارة الإلكترونية، وما يقدمه هذا المعرض من أفكار وحلول جديدة.”
بعد دردشة جانبية، نسأل رفيق عن الغاية من زيارة التظاهرة، فيقول: “ أنا وصديقي ننشط في التجارة الإلكترونية منذ سنة، جربنا شراء وبيع منتجات مثل الأحذية، الألبسة والعطور.. ما حققناه في هذه السنة يدفعنا للمواصلة وتطوير قدراتنا أكثر في هذا النشاط، لكن واجهتنا مشاكل مرات كثيرة.”
يتدخل صديق رفيق، حمزة، محاولا أن يشرح الأمر أكثر بقوله:«يهمنا كثيرا الاستماع إلى تجارب ناجحة لشباب آخرين تقدموا في التجارة الإلكترونية. اعتقد أن هذه هي الغاية من تنظيم مثل هذه التظاهرات التي تستهدف تشبيك علاقات وتبادل أفكار والتعرف على مستجدات.”دردشة قصيرة مع الطالبين حول التظاهرة وما تعرفه من إقبال واهتمام من أقرانهم الشباب، كانت كفيلة في أن تجيب على جزء بسيط من تساؤلاتنا حول التوافد الذي يسجله الصالون.
يبتسم حمزة ويضيف: “ طبيعي جدا هذا الحضور، جيلنا يعيش يوميا مع هذه التطبيقات والخدمات، كُثُر يحرصون على حضور التظاهرة للأسباب التي خضنا فيها.”
ويواصل المتحدث في سرد ما يراه ضروريا لمن يهتمون بهذا الجانب: “أعطيك مثالا عمّا نبحث عنه من حلول، هذه المنصة التي نتواجد في مربعها الآن، أعجبتنا كثيرا، لأول مرة بالجزائر توجد خدمات التسوق والشراء والبيع بالجملة، إلى جانب خدمات أخرى كثيرة، منها المقارنة بين المنتجات الأسعار، التوصيل، أنت ما عليك إلا النقر والدفع في نهاية العملية.”
حديثنا مع رفيق وحمزة حمسّنا للتوجّه إلى شباب آخرين قد نجد لديهم ما “يُشبع” تساؤلاتنا أكثر في الموضوع، فكانت وجهتنا جناح منصة تقدم خدمات وحلولا رقمية للمؤسسات، منها تطوير مواقع مختصة وتطبيقات، التسويق.. إلخ، وهنا التقينا شابا آخر ينشط في التجارة الإلكترونية منذ 4 سنوات.
أمين، 26 سنة، متخرج من جامعة العلوم الاقتصادية ببومرداس، لا يخفي ما حققه رفقة شركاء وتجار تقليديين من ربح في نشاط إلكتروني شرع فيه خلال جائحة كورونا.
يقول محدثنا: “تدابير الحجر ومنع التنقل أثناء الجائحة فرضت حاجات اقتضت تلبيتها، الناس عموما قبل ذلك لم تكون لديهم قابلية للتسوق الافتراضي واقتناء أشياء من فضاءات بمنصات التواصل الاجتماعي.”
برأي أمين، فرض الظرف الصحي الذي مرت به الجزائر، مثل كثير من دول العالم، حاجة تحولت مع مرور الوقت إلى تقليد لدى فئة معينة. يقول: “ كانت هناك تجارب ناجحة شجعت الشباب على المواصلة وتطوير أفكارهم بعد رفع تلك التدابير، وشجعت آخرين أيضا على ولوج هذا العالم.”
«هو نشاط يتطور ويتوسع، وغير مختصر في مجالات أو قطاعات معينة، لذلك نصادف أفكارا مجسدة وأنشطة الكترونية في مجالات لم نفكر فيها، الأمر بحاجة إلى إبداع وابتكار”، وفق أمين.
ويختم هذا الشاب حديثه معنا بقوله: “ تجربتي في التجارة الإلكترونية، قد تختلف من شخص إلى آخر، هناك من حاول ولم ينجح ونظرته مغايرة تماما، أما أنا شرعت في مشروع تطوير منصة وتطبيقا يقدمان خدمات تجارية.”

خدمـات لأوّل مــــرّة بالجزائـر

دردشات مع الشباب الذين قصدوا التظاهرة في يومها الأول، كانت مفيدة، غير أنها لم تصل بنا إلى ما نبحث عنه بالتحديد، هناك حلقة أخرى.. عارضون من أصحاب مؤسسات ناشئة ومنصات تقدم خدمات وحلول مبتكرة في ميادين شتى.
ليليا سلاماني، شابة متخرجة جامعية، مسؤولة “okadoo”، تعرض أول منصة رقمية تقدم خدمات البيع والشراء بالجملة في الجزائر، إلى جانب حلول وخدمات أخرى ترافق الزبائن منذ بداية العملية إلى نهايتها.
في تقديمها لخدمات المنصة، تختصر ليليا بالعبارة التالية:« يمكنك التجول في أسواق الجملة مثل العلمة والحميز من منزلك، اختر وأنقر والباقي علينا.”بحسب ما وقفنا عليه، استقطبت منصة “أوكادو” كثير من الشباب المهتم، وهو راجع وفق صاحبة الفكرة إلى وجود حاجة “لمسناها قبل التفكير في إطلاق المنصة، أشخاص كثر يرغبون في ممارسة نشاط تجاري، لكن يفكر في أشياء كثيرة مثل الاسواق، الاسعار، المنتجات، النوعية، التوصيل.. وهي خطوات كثيرة ومتعبة توفرها منصتنا بنقرة واحدة.”تشرح المتحدثة أن “أوكادوو” التي انطلقت نوفمبر 2023، هي المنصة الجزائرية الوحيدة التي تقدم خدمة البيع والشراء بالجملة بهذا الشكل، بعد دراسة سوق وتحليل الحاجات، وتطوير الجانب الرقمي.
بالعودة إلى موضوعنا الرئيسي، تبدي ليليا تفاؤلا بالتجاوب الذي تحققه المنصة رغم أنه لم تمض سنة على اطلاقها. تقول: “ فكرتنا وليدة حاجة في التجارة الإلكترونية، هذه الأخيرة تشهد تقدما في السنوات الأخيرة، وهذا ما نلمسه في تجربتنا.”
«لولا وجود مؤشرات ايجابية وخطوات مشجعة لما عملنا على تطوير منصتنا والتواجد في هذا الصالون.. نستهدف فئة الناشطين في التجارة الإلكترونية، ورؤيتنا تعتمد على تطوير المنصة تدريجيا، بتوسيع الجمهور المستهدف إلى التجار العاديين والحرفيين بتوفير منتجات مثل المادة الأولية.”
ما يجمع عليه أصحاب مؤسسات ناشئة ومنصات، بحسب ما استخلصناه من تجاذب أطراف الحديث مع كثير منهم في هذا الصالون، هي الأفق في سوق يتجّه نحو التطوّر، وبإمكانه استيعاب أحلام شباب في تجسيد أفكار ومشاريع مبتكرة.

بيئــة خصبـة..

هذا ما تذهب إليه المكلفة بالإعلام في منصة “حرفة ميروتيك” هيبة بلعسلة، وهي منصة تقدم خدمات عديدة مترابطة، منها تطبيق “حرفة”، “حرفة برو”، “فاكتوريلي”، والتي تقول عن واقع تجاوب الجزائريين مع الخدمات الرقمية، من منظور تجربة مؤسستها، إن هناك نتائج مقبولة جدا مقارنة مع عمر مشروع منصة “حرفة ميروتيك.”
في هذه المنصة، يوجد حرفيون ومؤسسات ويوجد طلب، ليس بالشكل الذي يصبو إليه أصحاب الفكرة، لكن هناك ما يبعث على تحقيق نتائج مشجعة جدا في المستقبل، برأي هيبة.
وتقدم مؤسسة “حرفة ميروتيك”، خدمات رقمية في البناء والهندسة المعمارية موجهة لعامة الناس في تطبيق”حرفة”، وخدمات أخرى موجهة للمؤسسات والمهنيين في تطبيق “حرفة برو”.
تطبيق “حرفة”، يسمح لأي شخص البحث عن حرفي (البناء، الطلاء، الترصيص.. إلخ)، والتواصل معه والتفاوض لإنجاز عمل معين بالمنزل، بينما “حرفة برو” يجمع بين مؤسسات وحرفيين وتجار في قطاع البناء والأشغال العمومية، لتقديم خدمات انجاز مشاريع، فرص عمل، بيع وشراء وكراء معدات.قبل اختتام جولتنا في هذا الصالون الذي يختتم غدا الأحد، رصدنا في أحد الأجنحة الشاب نضال عطاري، أحد صناع المحتوى في المجال الرقمي بمنصات التواصل الاجتماعي، ومن المهتمين بالذكاء الاصطناعي وجديد شركات رائدة من تطبيقات وأدوات.
يتحدث نضال صاحب منصة تعليم عن بعد “IZI Road” متخصصة في المجال الرقمي وتقديم دورات، عن دور ارساء ثقافة رقمية وسط الجزائريين وأهمية ذلك في مواكبة التحول الرقمي وتحقيق الأهداف الاقتصادية.يشير نضال إلى أن منصته تستهدف توسيع فهم الجزائريين للبيئة الرقمية، وهو ما يساعد -بحسبه- على تطور سوق الخدمات الرقمية بالجزائر، ويتابع: “ في السنوات الأخيرة، نلمس وعيا مقبولا لدى الشباب، وهي فرصة للمؤسسات وحاملي الأفكار المبتكرة للنشاط في هذا المجال.”
ما يشجع على للاستثمار والنشاط في “السوق الرقمي”، بحسب نضال، وجود بيئة لم تتشبع بعد، تقل فيها المنافسة، مقارنة بالدول التي تقدمت في هذا المجال.
ويختم المتحدث بالقول: “أدعو الشباب للاجتهاد والايمان بأفكارهم، نحن أمام فرص كبيرة في مجال واسع بحاجة فقط إلى مشاريع مبتكرة.”
ختاما، عن واقع التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية، من منظور محافظ “اكسل اكسبو 2024، يقول رضوان حمو، في تصريح لـ«الشعب”، أصبح استخدام الخدمات الالكترونية ببلادنا من يوميات فئة كبيرة من الجزائريين، خاصة الشباب الذي ولدوا في بيئة رقمية واحتكوا بتطبيقات وخدمات رقمية في مسارهم الجامعي أو المهني.
ويشير حمو إلى أن الحديث عن اقتصاد رقمي حقيقي يقودنا للحديث عن جوانب تخص تنظيم الخدمات والاحتراف في تقديمها “هي مراحل نعمل على التدرج فيها خطوة بخطوة.” ويبرز محافظ الصالون أن التظاهرة تحولت إلى فضاء حقيقي لعقد شراكات واتفاقيات بين مؤسسات عمومية وخاصة وحاملي مشاريع والأفكار المبتكرة، وصالون يمكن أن يستفيد منه حامل فكرة ومشروع وأيضا شركات كبيرة تبحث عن مسار رقمي.
ويتابع: “هذا المجال لا يزال فتيا، بدأ يتأثر ويؤثر.. هناك تزايد من حيث رؤوس الأموال، الاستثمار في الأفكار والشراكات، وهذه كلها آفاق مستقبلية، لكن يجب أن تكون مؤطرة ومنظمة.”
وتسجل الطبعة الثالثة لصالون التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية، من 2 إلى 5 أكتوبر المقبل بقصر المعارض الصنوبر البحري بالجزائر العاصمة، مشاركة 130 عارض، في مساحة عرض تقدر بـ6500 متر مربع. من العارضين 30 مؤسسة ناشئة وشركتان أجنبيتان، ينشطون في مجالات عديدة: الخدمات اللوجيستية، التكنولوجيا، المالية، التأمينات، وغيرها من الشركات المنخرطة في مسار التجارة والخدمات.
وعلى مدار أربعة أيام، تم برمجة تنظيم 12 ورشة بمشاركة 37 خبيرا، تشمل مسائل الاقتصاد الرقمي وواقع التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية بالجزائر، إضافة إلى دورات متخصّصة في جوانب تقنية تخص التجارة الإلكترونية. ويجمع الحدث بين مؤسسات جزائرية وأجنبية ناشئة، شركات وطنية، إلى جانب خبراء ومختصين في التجارة والخدمات الإلكترونية، ينشطون في مجالات عديدة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19586

العدد 19586

الخميس 03 أكتوير 2024
العدد 19585

العدد 19585

الأربعاء 02 أكتوير 2024
العدد 19584

العدد 19584

الثلاثاء 01 أكتوير 2024
العدد 19583

العدد 19583

الإثنين 30 سبتمبر 2024