التزامـــات عوض الوعـود الانتخابية..والمنجزات المحققة عربون استمرار قطف الثمار
تمكّن المترشّح الحر عبد المجيد تبون من الفوز بعهدة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 سبتمبر، ويعد الملف الاقتصادي أحد أبرز القضايا التي استحوذت على اهتمام خاص في حملته الانتخابية، حيث ركّز تبون في خطابه على تعزيز الناتج المحلي، رفع الأجور، ودعم الإنتاج الوطني.
يرى العديد من المتابعين السياسيين أنّ المعطيات الاقتصادية في الوقت الحالي، أفضل بكثير مقارنة بعام 2019، فقد بدأ الرئيس تبون عهدته الأولى وسط أزمة سياسية واقتصادية ومالية، فقد تراجعت احتياطات النقد الأجنبي - في تلك الفترة - إلى 45 مليار دولار، وارتفعت فاتورة الاستيراد، في حين كانت المحروقات تشكّل أكثر من 95 بالمائة من الصادرات الجزائرية التي لم تتجاوز 2 مليار دولار خارج قطاع المحروقات.
وقبل أن تنتهي العهدة الأولى للرئيس تبون، تغيّر الوضع بشكل غير مسبوق، لتأتي العهدة الثانية كي تواصل المنجزات، حيث يتوقع أن تتجاوز الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات 10 مليارات دولار هذا العام، وأن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 267 مليار دولار، ممّا يجعل الجزائر تحتل المرتبة الثالثة على مستوى إفريقيا.
ومن المتوقّع أن يواصل الرئيس تبون التركيز على الاستثمار في قطاع التعدين، وتعزيز الإنتاج الوطني من خلال سياسة ترشيد الاستيراد، إلى جانب مكافحة الفساد الاقتصادي وظاهرة تضخيم الفواتير.
استثمار استراتيجي في التّعدين
من أبرز التّعهّدات التي قدّمها الرئيس تبون خلال حملته الانتخابية، العمل على تنويع الاقتصاد الوطني وتقليص الاعتماد الكبير على قطاع المحروقات بشكل تدريجي. وقد بدأت ملامح هذا التوجه في الظهور بالفعل، خاصة مع اقتراب استغلال المشاريع الكبرى في قطاع التعدين.
من أبرز هذه المشاريع، الخط المزدوج المكهرب الرابط بين تبسة وعنابة، والذي يهدف إلى استغلال مكامن الفوسفات في شرق البلاد، وتجاوزت القيمة الاستثمارية للمشروع، الذي يخص ولايات تبسة، سوق أهراس، عنابة، وسكيكدة 6 مليارات دولار، ما يجعله أحد أكبر الاستثمارات في قطاع الفوسفات على مستوى العالم. ومن المتوقع أن تصل عائداته التصديرية ما بين 2 و3 مليارات دولار سنوياً، بالإضافة إلى تقليص فاتورة الاستيراد للعديد من المواد التي سيتم تصنيعها محلياً، وهي مواد ذات أهمية إستراتيجية لدعم القطاعين الفلاحي والصناعي.
ومع مشروع الفوسفات، يبرز منجم غارا جبيلات كأحد أهم مشاريع التعدين في تاريخ الجزائر، حيث يضم واحدًا من أكبر احتياطيات خام الحديد في العالم، ولقد شرعت الجزائر في تنفيذ مشاريع بنية تحتية هائلة لتسهيل استغلال هذا المنجم، من بينها بناء خط سكك حديدية يمتد على طول ألفي كيلومتر بهدف نقل خام الحديد إلى المصانع والموانئ.
ومن المتوقع أن تحقّق الجزائر عائدات سنوية تصل إلى 10 مليارات دولار من هذا المشروع، مع إمكانية مضاعفة هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2040، مع إنتاج يصل الى 40 مليون طن من خام الحديد سنويا، ما يعزّز مكانة البلاد كواحدة من أكبر منتجي الحديد في العالم.
دعم الاستثمار المحلي
في السياق، شدّد الرئيس تبون خلال حملته الانتخابية على أنّ الاقتصاد الوطني يجب أن يقوم على الإنتاج وليس الاستيراد، ممّا يجعل دعم المستثمرين المحليين ركيزة أساسية في السياسة الاقتصادية خلال السنوات الخمس القادمة.
ويهدف تبون إلى تخفيض مستويات البطالة وزيادة تنافسية المنتجات الوطنية، مع التحول إلى تصدير الفائض، خصوصًا أن الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات حقّقت نموًا بنسبة 30 بالمائة سنويًا، ومن المتوقع أن تتجاوز 20 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، أكّد الرئيس تبون أنّ أحد الأهداف الاقتصادية الرئيسية للمرحلة المقبلة هو إدخال الأموال المخزنة في السوق الموازية إلى النظام البنكي الرسمي، والتي تُقدّر بأكثر من 90 مليار دولار..هذه الأموال، إذا تمّ ضخّها في الاقتصاد الرسمي، ستعزّز بشكل كبير النمو الاقتصادي في الجزائر، وتساهم في تحقيق الأهداف الاقتصادية الطموحة للبلاد.
الفلاحة عمود الاقتصاد الوطني
وتعهّد الرّئيس تبون بدعم القطاع الزراعي الذي يشهد نموًّا ديناميكيًا بنسبة تتجاوز 7 بالمائة سنويًا. ويعتزم الرئيس خلال السنوات القادمة رفع قيمة الإنتاج الزراعي إلى أكثر من 45 مليار دولار، بعد أن بلغ أكثر من 34 مليار دولار في عام 2023.
ومع دخول الشركات الكبرى إلى السوق، مثل شركة «بلدنا» لإنتاج بودرة الحليب، والشريك الإيطالي لإنتاج الحبوب والبقوليات، يُتوقع أن يستمر الرئيس تبون في عقد شراكات إستراتيجية أخرى لتشمل منتجات جديدة.
كما وضع الرئيس تبون تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة القمح كأحد أولويات سياسته لتعزيز الأمن الغذائي في الجزائر، مؤكّدًا على أهمية دعم الإنتاج المحلي وتطوير الشراكات لزيادة القدرة الإنتاجية الوطنية.
ويتّفق كثير من الخبراء في التأكيد أنّ فوز الرئيس عبد المجيد تبون بعهدة رئاسية ثانية يمثل فرصة لاستمرار التوجه الاقتصادي الجديد للجزائر، الذي يركز على تنويع الاقتصاد وتقليص الاعتماد على المحروقات، من خلال دعم قطاعات التعدين والزراعة وتشجيع الاستثمار المحلي، ويراهن كثيرون على أنّ الجزائر تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتحقيق أهدافها الإستراتيجية في السنوات القادمة.