الجزائـر تعيـش لحظـة تاريخيـة ضمـن ديمقراطيـة أصيلــة
تعدّ الانتخابات الرّئاسية المزمع إجراؤها اليوم السبت في الجزائر، سانحة لتعزيز الديمقراطية، وتحقيق تطلّعات وآمال الجزائريّين في مستقبل أجود، لاسيما وأنّها تأتي في ظلّ اضطرابات جيوسياسية واقتصادية إقليمية ودولية مثيرة للقلق، تتطلّب يقظة ووعيا شعبيا بما يُحاك ضدّ بلد الشهداء من طرف فواعل الشر.
أكّد مختصّون وخبراء في الشؤون السياسية والاقتصادية، أنّ الرّئيس المنتخب سيكون على عاتقه كثير من الرهانات والتحديات السياسية والاقتصادية، لبلوغ الغايات التنموية الكبرى وتنويع مصادر الدخل لتمكين الاقتصاد الوطني من مواجهة التقلبات والمتغيّرات العالمية.
في هذا الصدد، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة البروفيسور نور الصباح عكنوش، إنّ الجزائر تعيش لحظة تاريخية من حياة الديمقراطية الأصيلة، وتتّجه بقوّة وثقة نحو مستقبل أفضل، وسط منطقة حُبلى بالأزمات والحروب والفوضى، لتقدّم نموذجا في الاستقرار النّسقي والبناء المنهجي لدولة عصرية تنتمي للقرن الواحد والعشرين.
واعتبر عكنوش في تصريح خصّ به “الشعب”، انتخابات السابع من سبتمبر رسالة قوية للعالم بأنّ الجزائر بلد مسالم متحضّر ومستقر يرنو للتنمية والأمان وفق مفاهيم الحوكمة ومعايير الحق والمواطنة، التي تأسّست حولها قيم الإنسانية الحديثة، كما أنّها عضو أصيل كان وما زال بيئة حاضنة للديمقراطية الغربية من خلال لجوء رؤساء وزعماء من دول مختلفة إليها عبر التاريخ بحثا عن العدالة والحرية.
وأضاف محدّثنا، أنّ بلد الشهداء على موعد مع هذا التاريخ ليس ليكتشف العالم ديمقراطيته كونه واقع تنموي ومؤسّساتي وحضاري في صميم بنية وهوية المنتظم السياسي الوطني، بل ليُعطيه درسا في الديمقراطية وفق مبادئ ثورته وسيادة خياراته واستقلالية قراراته رغم وجود تحديات ضخمة وغير مسبوقة في الجوار وفي النظام الدولي ككل.
وتابع الأستاذ: “العملية الانتخابية عملية إستراتيجية وليس مجرّد فعل سياسي على مستوى هندسة الدولة، وهنا لا نختلف أنّ طبيعة المرحلة والسياق والتوقيت كلّها محدّدات تجعل الحدث مفصليا على أكثر من صعيد، حيث تتطلع قوى الخير إلى ما بعد السابع سبتمبر كفرصة جديدة لدعم ما تحقّق من مكاسب، وتعزيز ما أنجز من نتائج إيجابية لصالح القضايا العادلة في فلسطين والصحراء الغربية أساسا، ومنه تتمظهر أهمية الانتخابات الرئاسية كحدث محلي خاص بالشعب الجزائري وحدث دولي يخص الأشقاء والأصدقاء وحتى الأعداء”.
مركز الجزائر وصورتها الرّمزية، وأخلاق قيادتها ونهج دبلوماسيتها، تنتج حول الحدث مجموعة إدراكات وانتظارات وتطلّعات لجزائر جديدة في روحها ورؤيتها ودورها، بعدما تحقّق في السنوات القليلة الماضية من إرادات طيبة في النهوض والإصلاح والتجديد بشكل أيقظ في وعي المواطن وفي فكر المسؤول، وبعقل المتابع للأحداث من الخارج حبّ الفضول لمعرفة سرّ قوّة هذا البلد، وأسباب استقراره وتطوّره دون ديون، وديون تبعية وتطبيع كما أريد له من قبل قوى الشر، ولعلّ في السابع سبتمبر جزء كبير من الجواب، يقول البروفيسور عكنوش.
من جهته، أوضح أستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بجامعة سطيف، البروفيسور فارس هبّاش، أنّ الانتخابات الرئاسية في الجزائر تأتي في لحظة حاسمة تتطلّب قيادة تمتلك أفضلية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، في ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد والعالم مثل تقلبات أسعار الطاقة، مع مواصلة البحث عن موارد جديدة وتنويع مصادر الدخل، وعليه يعدّ هذا الاستحقاق سانحة لإفراز قيادة قادرة على منح الثقة للمستثمرين المحليين والدوليين.
وكشف هباش في اتصال مع “الشعب”، أنّ تلك الثّقة تعتبر شرطا أساسيا لمواصلة تحفيز مناخ الاستثمار، وهو ما سيسهم بشكل مباشر في تحسين بيئة الأعمال، وتعزيز جذب الاستثمارات اللازمة لتنويع الاقتصاد الجزائري، وتقليص الاعتماد على صادرات النفط والغاز، في إطار النموذج الاقتصادي الجديد الذي تبنّته الجزائر منذ حوالي خمس سنوات، وبدأت بالفعل تجني ثماره بمؤشرات اقتصادية خضراء وقوية بشهادة كبريات المؤسسات المالية العالمية على غرار البنك الدولي وصندوق النقد.
ووفقاً للخبير ذاته، فإنّ الرّئيس المنتخب بشرعية قويّة، سوف يتمتّع بتفويض شعبي واسع، يمنحه القدرة على مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية، المرتكزة على تحقيق تنمية شاملة ومستدامة عبر تنويع القاعدة الاقتصادية، وتخفيض الاعتماد المفرط على النفط والغاز باعتباره التحدي الرئيسي الذي يواجه الجزائر منذ سنوات، ويعدّ حلّه مدخلا أساسيا لتحقيق أي استقرار اقتصادي مستدام، لذلك من المهم على الرئيس المنتخب أن يستمر في إيلاء أهمية قصوى لتطوير قطاعات إستراتيجية واعدة مثل الفلاحة، والطاقات المتجددة، الصناعات التحويلية، اقتصاد المعرفة والسياحة وغيرها.
واستطرد البروفيسور: “من خلال تلك القطاعات، يمكن للجزائر تحقيق التنويع المطلوب، والحد من هشاشة الاقتصاد الوطني في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية، كما أنّ البنية التحتية تحتاج إلى استثمارات ضخمة لتطوير شبكة الطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية، للإسهام في تعزيز قدرات الجزائر اللوجستية، وتسهيل عمليات النقل والتجارة، وزيادة تنافسية البلاد في الأسواق الإقليمية والدولية، وإلى جانب ذلك، ستخلق فرص عمل جديدة وتساهم في التطوير المتوازن لمختلف المناطق عبر الوطن خاصة مناطق الظل”.
وعلى صعيد آخر، تظلّ مشكلة البطالة خاصة بين الشباب تحديا كبيرا يواجه الرّئيس القادم، وبالتالي هناك حاجة ماسة إلى سياسات تدعم التدريب المهني والتكوين والتعليم المتخصص الذي يتوافق مع متطلبات السوق، وكذا التركيز على استحداث فرص عمل كثيرة في القطاعات الجديدة المذكورة سابقا، ناهيك عن مواصلة اعتماد الشفافية ومحاربة الفساد لتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة؛ لأنّه عبر تعزيز الشفافية يمكن بناء علاقة قوية مع المواطنين والمستثمرين، ممّا يعزّز استقرار الاقتصاد الوطني على الأمد الطويل، يضيف أستاذ العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير بجامعة سطيف فارس هباش.
وبدوره، أبرز رئيس المركز الجزائري لرجال الأعمال والمتعاملين الاقتصاديين، مسعود تيمونت، أنّ الاقتصاد الجزائري يسير في السكة الصحيحة، ومرحلة النمو التي يعرفها تتطلّب من الرئيس القادم إكمال كل الخطوات الإصلاحية اللازمة التي تجعل منه اقتصادا قويا ومستقرا باستدامة. وأفاد تيمونت في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، أنّ مواصلة عملية التحديث الكلي للخروج من الاقتصاد الكلاسيكي إلى اقتصاد رقمي عصري، حتمية يفرضها النظام العالمي الجديد، حيث سيصبح كل نظام اقتصادي غير معتمد على الرقمنة في تعداد الاقتصاديات غير النامية. وأردف بالقول: “يجب رفع الرّهان واتخاذ كل الإجراءات المناسبة لمواصلة عصرنة وتطوير الاقتصاد الجزائري، مع اللعب على عامل الوقت، وضمان مراعاة الإصلاحات لكل شروط الاقتصاديات الحديثة من إمكانيات تقنية ولوجستية بمرافقة خبراء متمكّنين، ذلك أنّ الرقمنة لا تتطلّب الآن تنقلات وبحث عن أسواق وتوغل في أماكن بعيدة، بل هي مجرّد ضغطة زر كفيلة بانجاز كل الإجراءات”.
فلغة اقتصاد الرقمنة، بحسب متحدثنا، تقتضي أنّ من كسب المعلومة حاز على السوق، والوقت عبارة عن مال “time is money”، وعليه لابد من إيلاء أهمية كبيرة لكل هذا في خطة عمل الوافد المقبل.
الرّئيس المنتخب القادم، سيكون أمامه أيضاً تحدّي تأمين الإنجازات المتحققة، من خلال خلق حقل أمني اقتصادي وطني؛ لأنّ الأمن القومي صار اليوم بحاضرنا مرتبطا ارتباطا وثيقا بالغذاء وتوفير المنتجات الاستهلاكية بكل أصنافها، بالإضافة إلى حماية وصيانة مراكز معالجة المعلومات وبنوك التخزين التي يرتكز عليها اقتصاد الرقمنة، حتى تكون تحت تصرف جزائري محلي محض، حفاظا على عدم تسريب وسرقة المعلومة الاقتصادية، يختم مسعود تيمونت.