تحقيق الأمن الغذائي في ظرف عالمي صعب، وتأمين الغذاء بتكلفة أقل، يعد تحديا جوهريا متاحا وممكنا بالنسبة للجزائر، التي صنفت في السنوات الماضية، أنها أحسن بلد إفريقي من حيث وفرة الغذاء.
ناقش الخبراء والمشاركون في اليوم الدراسي حول «الأمن الغذائي من المصطلح للتنفيذ: الوضعية الحالية، التوجهات والتحديات الأمنية»، خلال اليوم الثاني من الأشغال، عدة محاور تتعلق بتأمين الغذاء وتلبية الطلب الوطني خاصة على المواد واسعة الاستهلاك، وتموين السوق الوطنية بعيدا عن التذبذب والمضاربة والاحتكار والندرة، حيث قدم الخبير شريف عوماري، تحليلا عميقا مدعما بالأرقام حول نظم تنظيم الأسواق الفلاحية والغذائية، داعيا إلى تفعيل الاستثمارات في القطاع الفلاحي، القادر، بحسب تقديره، على طرح القيمة المضافة.
وشدد على ضرورة ترقية النظام الإنتاجي، في ظل ما وصفه بغياب معطيات ومعلومات ثابتة عن الإنتاج الوطني. وسلط كذلك الضوء على النقل والجانب اللوجستي، معترفا أنه لا يتم استغلال سوى 35٪ من المجال اللوجستي، في ظل الحاجة إلى تحسين النقل. وتطرق كذلك إلى أزمات التموين ببعض المواد الغذائية، مثل البطاطا، حيث ينقص الإنتاج في بعض الأشهر، أي في أفريل وسبتمبر وأكتوبر، داعيا إلى الرفع من قدرات التخزين وتدخل الجهات المخولة لتنظيم الأسواق، ومنح المزيد من الدعم الذكي للقطاع الفلاحي.
واستعرض عوماري ثماني توصيات، يتعلق الأمر بكل من تثمين حقول الإنتاج، وأولوية تقوية تكامل قطاعي الفلاحة والصناعة مع عصرنة نظم التوزيع، وتشجيع التكوين المهني، وإرساء سلطة للتنظيم ومراقبة المواد الغذائية وأسعارها في الأسواق الدولية، مثل الحليب والقمح.
وقف مسعودي نصرالدين، على أهمية تنظيم عملية تخزين القمح، وتطرق إلى إشكالية التخزين للتحكم في عملية التنظيم والتخزين، وصناعة غير مخطط لها. وقال في سياق متصل، إن حصة الإنتاج الوطني لتلبية الطلب مازالت ضعيفة، أي تشكل 4٪ فقط، بالإضافة إلى وجود مشكل المناخ. وتحدث كذلك على ضرورة تغيير النظام الاستهلاكي، معترفا أن الأمر ليس سهلا. وبخصوص الواردات، ذكر مسعودي أنه يجب تأمين التخزين وتأمين الأسواق التي نستورد منها القمح، لأن الجزائر في السابق، كانت قادرة على الاستيراد من 20 دولة، مثل الٍارجنتين وليتوانيا وإستونيا الأورغواي وغيرها.
واشترط رئيس جمعية حماية المستهلك مصطفى زبدي، إذا تعلق الأمر بالأمن الغذائي توفر الشفافية، في وقت كلما تبرز المضاربة والندرة بالأسواق، التجار يلقون بالمسؤولية على عاتق التجار والعكس صحيح، أي ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تجربة اختلالات السوق، لأنه في الواقع، قال زبدي، عدة قطاعات مسؤولة عن تنظيم السوق. ويعتقد رئيس جمعية حماية المستهلك، أن الجهات المسؤولة لا تقوم بدورها، على ضوء غياب الأسواق الجوارية عبر كل بلدية، وضبط السوق، بحسب تقديره، يتطلب تعاون عدة قطاعات.
ولتنظيم السوق ألح على ضرورة تحديد ما نستهلك بدقة والكمية التي نستهلك، مع أهمية معرفة كمية الإنتاج الوطني. ودعا في نفس الوقت إلى تحيين المنتجات المدعمة، لأن أسعارها تغيرت في الأسواق العالمية، أي إعادة النظر في قائمة المواد المدعمة، على سبيل المثال اقتناء مادة الفرينة الكاملة بدل البيضاء اللينة أي أسعارها متطابقة.
وجدد في مرافعته حول أهمية تسقيف هامش الربح، وأبدى استياء من سوء التنسيق بين القطاعات، مع عدم تدخل المعنيين عند اشتعال موجة الغلاء عبر الأسواق، على غرار ديوان الدواجن عندما تشتعل أسعار الدجاج.
واقترح زبدي تغيير العادات الاستهلاكية، والقضاء على المضاربة والفساد والبيروقراطية، واقترح إنشاء جهاز أو هيئة لحماية المستهلك والأمن الغذائي، وكشف أن 20٪ فقط من الشكاوى التي ترفعها جمعية حماية المستهلك للجهات المعنية من أجل تحرك الرقابة تكون صحيحة. ويرى لضبط السوق يجب تعزيز الرقابة، وعلى سبيل المثال منح ممثلي جمعيات حماية المستهلك صفة الضبطية لمراقبة السوق.
ميزانية البيانات غير كافية
حذرت راضية بن سماعين، التي استعرضت آليات ترقية التغذية من أجل التخلص من العادات الغذائية السيئة، من مخاطر ذلك والتي تتجلى في الأمراض المزمنة والخطيرة، وقالت إن للتغذية غير السليمة تكلفة، حيث تسجل الجزائر سنويا 50 ألف إصابة جديدة بمرض السرطان. وشددت على تحسين العادات الغذائية وممارسة الرياضة مع تقوية سياسات الضبط والتفتيش والرقابة.
وأما نوال سيتوتي، ممثلة وزارة الخارجية، فتناولت دور الدبلوماسية الاقتصادية وتحدي تقوية الدبلوماسية الاقتصادية وأكدت على الجهود المبذولة، حيث تم تكوين نحو 30 دبلوماسيا في الدبلوماسية الاقتصادية في الجانبين النظري والتطبيقي وحل مشكل البنوك.
فيما قالت أمال بوزيد، باحثة في «كرياد»، إنهم في حاجة إلى 5 قواعد للمعطيات للقيام بعملهم، من بينها أرقام ديوان الإحصائيات وقاعدة معطيات دولية وبعض أرقام الوزارات لتحييين المعلومات وبلوغ معطيات ثابتة، مع تكريس جودة المعطيات. وكشفت أن الجزائري يستهلك 17 كلغ سكر سنويا، واعترفت أن العديد من المعطيات والبيانات مازالت غير ثابتة، والميزانية غير كافية.
وجاءت الدعوة في النقاش واضحة لإنشاء نظام معلومات مؤمَّن، مع متابعة مستويات التخزين ووحدات إنتاج المواد الأولية، حيث ألح الخبير بوروبي على إرساء نظام وطني للبيانات حول الأمن الغذائي، وإعادة النظر في نظام البيانات المعلوماتي الحالي.
واستعرض بعزيز يوسف، مدير الضبط بوزارة التجارة، أرقاما دقيقة والتطور الذي تعرفه الرقمنة بالقطاع، من بينها تسجيل 8452 مخبزة. وقال قدرات إنتاج الزيت بلغت 1.6 طن وتسجيل 124 وحدة لإنتاج حليب الأكياس.