أجمع المتدخلون في افتتاح الأيام الدراسية للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة، التي تأتي موسومة بعنوان «الأمن الغذائي من المصطلح إلى التنفيذ: الوضعية الحالية، التوجهات والتحديات الأمنية»، على ضرورة بلوغ الدول سيادة غذائية، عن طريق نظم فلاحية معتمدة، وعلى ضوء متغيرات قد يتسبب فيها العامل البشري وأخرى طبيعية. كما أن العمل على عدة عوامل داخلية لزيادة الإنتاج، وخارجية للتحكم في الأسواق العالمية، ينبغي أن يكون وفق مقاربة دولية شاملة.
أسهب البروفيسور عمر بسعود، في مداخلة بعنوان «الأمن والسيادة الغذائية...» ضمن فعاليات الأيام الدراسية للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة، التي جاءت بعنوان «الأمن الغذائي من المصطلح إلى التنفيذ: الوضعية الحالية، التوجهات والتحديات الأمنية»، أسهب في الحديث عن عدة عوامل تتعلق بالأمن الغذائي والسيادة الغذائية.
ودعا البروفيسور بسعود إلى اتخاذ إجراءات قوية على المستويين الإقليمي والدولي من أجل تجنب حالات انعدام الأمن الغذائي الذي هو في طريقه نحو العديد من الدول. كما أكد على ضرورة مواجهة سلوك المضاربة لتجار الأغذية، وتعزيز البنى التحتية النهائية (التجميع والتخزين)، والتضامن الدولي وسياسة المعونة الغذائية.
وأضاف بسعود، أن دراسة تطور مؤشرات المنتجات الغذائية الأساسية التي نشرتها منظمة الأغذية والزراعة، أظهرت ارتفاعا في الأسعار لم يشهدها العالم منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تضاعف القمح اللين ووصل إلى أكثر من 48 دولارا للطن. فيما بلغت تكلفة شراء القمح الصلب 55 دولارا للطن.
وارتفعت أسعار الزيوت النباتية العالمية بنسبة 23٪، والسكر بـ7٪، واللحوم 5٪، وهي القفزة في الأسعار التي لم يشهدها العالم منذ حوالي 60 عامًا، حيث لم يكن الوصول إلى المواد الغذائية الأساسية باهظ التكلفة من حيث القيمة الحقيقية.
وأشار بسعود إلى أن الأسعار العالمية للمنتجات الزراعية آخذة في الارتفاع منذ 2020-2021، وما زاد من حدتها هي الأزمة الروسية - الأوكرانية.
وفي حديثه عن الأمن الغذائي في شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الساحل، ذكر البروفيسور بسعود أن منطقة شمال إفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر)، تمثل ما يزيد قليلاً عن 2,5٪ من سكان العالم في عام 2022، وتستهدف شراء ما يقرب من 30 مليون طن، أي ما يزيد قليلاً عن 15٪ من إمدادات القمح المتداولة في العالم. كما شهد الموسم التجاري 2021-2022، تصنيف المنطقة كواحدة من بين أبرز المناطق الرئيسية لاستيراد القمح في العالم.
في ذات السياق، أفاد البروفيسور بسعود أن دول جنوب الصحراء في إفريقيا تواجه نزاعات مستمرة (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، موريتانيا، السودان، إريتريا، الصومال)، ونصيب هذه الدول من النازحين بلغ (أكثر من 2 مليونين)، أبرزهم من فئة الفلاحين، يضاف إلى ذلك أزمة المناخ المكشوفة على خط المواجهة.
دعا البروفيسور بسعود، الى العمل على عدة عوامل؛ داخلية لزيادة الإنتاج، وخارجية للتحكم في الأسواق العالمية.
وقال بسعود: «إذا كانت الظروف المناخية الزراعية تشكل حدا طبيعيا لزيادة كبيرة في الإنتاج لتغطية الطلب المتزايد باستمرار على المنتجات الأساسية، فسيكون من الضروري تخصيص المزيد من الأراضي للإنتاج الأساسي (كبديل للإنتاج المصدّر) في عدد معين من البلدان، وإعادة توجيه الإعانات الممنوحة اليوم لصالح المحاصيل الموجهة نحو التصدير (في البلدان التي لديها نموذج قائم على تصدير المنتجات الزراعية الأساسية - الحبوب، البذور الزيتية، السكر...).
وأضاف، أن زيادة الاستثمار العام المقترن بالحوافز الاقتصادية والدعم الفني المحسن لصالح صغار الفلاحين، عامل أخرى على البلدان التوجه نحوه وإعادة تأهيل الزراعة الأسرية وتشجيع الممارسات التقنية التي تسهم في إنشاء زراعة مستدامة، مشيرا الى أن تهديد المناخ يتطلب استجابات تقنية وسياسية أكثر ملاءمة من أجل منع أي تأثير على الإنتاج.
وفي مداخلة للأستاذ بديع برتراند، أكد فيها أن السيادة الغذائية لا تعني بالضرورة الاستقلالية التامة، بقدر ما تعني الاكتفاء الذاتي، فهذا المصطلح (السيادة الغذائية) أصبح اليوم يرتبط ارتباطا وثيقا بمصطلح «الكرامة الغذائية».
وأكد بيرتراند، أن الدول مطالبة بوضع سياسات تضمن غذاء لمواطنيها، من خلال إنتاج مستدام ومراقبة الإنتاج، كما أن بلوغ السيادة الغذائية يمر عبر نظام فلاحي معتمد، ينبغي للنظم الدفاع عنه.