مع التطورات الجيوـ سياسية التي يشهدها العالم، تظهر الحاجة الماسة لضرورة الاستباق واليقظة، وتطوير منظومة تحمل الفكر والتجربة والغايات الخاصة بالمصلحة الوطنية، حسبما يرى الخبيران في الإستراتيجية الأمنية عبد العزيز مجاهد ومحند برقوق، اللذان يتوقعان انتعاش وعودة لحركة عدم الانحياز.
من منظور استراتيجي للمتغيرات التي تحدث في العالم، آخرها ما تفرزه الأزمة الأوكرانية، التي تستغلها الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود العالم منذ 40 سنة تحت لواء أحادية قطبية والدول الحليفة لاستغلالها لضرب الشعوب، والأمر المهم الذي يجب فعله هو إدراك مدى عمق هذه التغيرات، يقول المدير العام للمعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة عبد العزيز مجاهد، الذي نزل، أمس، ضيفا على فوروم الأولى بمعية البروفسور محند برقوق.
من جهته، يتحدث الخبير الإستراتيجي والأمني محند برقوق، عن تحولات تؤدي إلى إنشاء أقطاب المقاومة لاستمرار هيمنة القطب الواحد، من خلال بروز الحضارات القديمة، عودة الهند والصين، مبرزا أن هذه التحولات ـ كما يقرأها ـ تعزز من التحديات.
لكن تختلف هذه الأخيرة من دولة لأخرى، فهناك من يتصارع لرسم عالم المستقبل، ما تؤشر عليه الحرب الروسية - الأوكرانية، التي يظهر من خلالها أن هناك توجه لإنهاء الهيمنة الأمريكية، والتوجه إلى العالم الجديد، وإنعاش محور دول الجنوب.
ويبرز المتحدث في هذا السياق، ما تقوم عليه الجزائر كدولة من دول الجنوب (كانت عضو بارز في دول حركة عدم الانحياز) من مقومات أساسية كدولة تحترم الشرعية الدولية وتعمل على حل الأزمات بطرق سلمية، وتقر بسيادة الدول، لا تحبذ تغيير الأوضاع بالتدخلات العسكرية.
ولذلك يتعين على بلادنا الاستعداد لمواجهة هذه التغيرات، من خلال «استباق مفعل واليقظة كمسار»، والعمل على بناء منظومة تجمع بين الفكر، التجربة والغايات الخاصة بالمصلحة الوطنية، مشيرا أن الجزائر توجد في رواق استراتيجي.
وأجمع الخبيران على ان هناك دول تدفع نحو الاستمرار في عدم استقرار الدول على رأسها أمريكا. وذكر مجاهد في السياق، أن هذه الأخيرة التي لم تتوقف عن تغذية النزاعات والحروب منذ عدة حقب تاريخية، تعمل في خندق كل من إسرائيل والمغرب الدولتين التي لا توجد لهما حدود ثابتة، وكلاهما تمارس سياسة احتلال والاعتداءات بالقوة العسكرية على دول محاورة.
وأشار إلى أن المخزن منذ نشأته سنة 1912 يعمل وفق هذه الإستراتيجية، لكن الجزائر موقفها ثابت ومعروف «وحدودنا مقدسة ومن يتقدم سيلقى الرد».
المغرب يعزز هشاشة المنطقة
بالنسبة للخبير برقوق، فإن المغرب ليس فاعلا للسلم والاستقرار منذ زمن، لافتا إلى أن هناك تشابه كبير بينه وبين إسرائيل، فهما يقومان بدوران متكاملان، إسرائيل «ابتدعت العمليات الاستباقية بحجة حماية أمنها. والمغرب تتبع نفس الشيء، أي أن أدوات الفعل نفسها»، ورد فعل جزائر سيكون باستخدام كل الأدوات القانونية والدبلوماسية، وستستغل القانون الدولي في كل ذلك، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الكيان الصهيوني متواجد في المغرب منذ 40 سنة، وما تم السنة الماضية سوى ترسيم هذا التطبيع.
أفاد برقوق في معرض حديثه، أن المغرب لم يعد جزءا من المشروع الأمريكي في المنطقة الذي يغذي صناعة الفوارق وينتج هشاشات مستديمة، كما هو الحال بالنسبة لتونس، وإنما أصبح - أي المغرب - فاعلا في هذا المشروع الرامي لتعزيز عدم الاستقرار، والجزائر مستهدفة. كما يقرأ برقوق مآلات الأزمة في شرق أوروبا وأوكرانيا بمدى تأثيرها على منطقتنا، سوف تفرز بؤرا من التوتر وأزمة اقتصادية بتداعيات اجتماعية.
كل هذه المعطيات والمؤشرات الجيوـ سياسية في سياقها العام، تتطلب تعزيز الجبهة الداخلية، اليقظة الاقتصادية والتعبئة الشاملة للتكيف مع هذه المتغيرات، وإدارة الصراعات من خلال المهارات والتوقعات والاستباقية.
ويؤكد ضرورة بناء المناعة المجتمعية، رفض الهشاشة والانكشاف، كما لابد من وجود فواعل جامعة، مشيرا إلى الرابطة القوية بين الجيش والشعب، لأن الاستقرار يشمل الحياة العامة.
كما يرى البروفسور برقوق، أن الدبلوماسية الجزائرية لابد ان تكون «دبلوماسية تأثير وليس تمثيل»، كما يجب تعبئة المقومات وبناء اقتصاد متنوع يضمن الاستقرار ويحقق مناعة اقتصادية، بالإضافة ـ وهذا ما يراه مهما جدا ـ تطوير تنشئة اجتماعية قائمة على قدسية رموز الدولة.