المأمون القاسمي الحسيني عميد جامع الجزائر:

حماية مقوّمات وحدة الأمّة أهم الأولويــــات

حياة - ك

 الحوار الحضاري المثمر لمواجهة الإسلاموفوبيا

 بعد تعيينه على رأس الصّرح الديني الكبير  «جامع الجزائر»، يحدّد الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسيني أولويات هذه المؤسّسة الدينية، وتأتي في مقدّمتها الحفاظ على مقوّمات وحدة الأمة بالتصدي للتيارات الدخيلة المغذية للتفرقة والتشرذم، والعمل على نشر الحوار الحضاري المثمر القائم على أسس صحيحة لمواجهة الاسلاموفوبيا.
 أكّد الشيخ القاسمي الحسيني عميد «الجامع الجزائر» ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين، أهمية الرّسالة «الثقيلة» التي يحملها القائم على هذا الصرح الديني الكبير، والتي تمثل الحفاظ على مقوّمات الأمة، التي كانت لها عبر العصور مقوّمات ذاتية، من عوامل التفرقة والخلاف والتشرذم، التي تعد ـ كما قال ـ تيارات دخيلة تغذّت بالمفاهيم الخاطئة، والتي يجب التصدي لها حتى تبقى للمجتمع وحدته، قوته وتماسكه، مذكّرا بما خلّفته من مآسي في عشرية مضت بعد أن غرّر بالشباب، وزجّ بهم في بحر من الفتن والدماء.
أوضح عميد هذا الصرح الديني والحضاري خلال نزوله، أمس، ضيفا على «فوروم» القناة الإذاعية الأولى، أن الحفاظ على الأمة تبدأ من الحفاظ على الخطاب الديني، والذي يجب أن يرتكز على المبادئ والأصول، وهو الذي يعنى بالعقل كما بالقلب، يسعى لترقية الحياة الروحية، ولا يهمل متطلبات الحياة المادية، هو الخطاب الذي يعد لنا الفرد، السوي والمتوازن.

تحاشي الاختلاف

 دعا في سياق متصل القائمين على المؤسسة المسجدية، الذين يتولون رسالة التبليغ، أن يركّزوا في دعوتهم على ما هو متفق عليه، وأن يتحاشوا مواطن الخلاف والانقسام والتشرذم المذهبي والتمزق الطائفي، الغاية من هذا التوجيه إعداد المواطن الصالح، الذي يحسن فهم دينه ويحسن العمل به ليساهم في بناء المجتمع.
كما أنّ من طليعة أهداف الجامع الكبير هو مواجهة الفراغ الروحي الذي يعاني منه الشباب، من خلال نشر الفكر الإسلامي الأصيل، وإبراز صور الإسلام الصحيحة، حيث يتطلّع الشيخ القاسمي من العلماء الذين سيتخرّجون من هذا الصّرح الديني حمل العلم الشرعي، وينفون عنه تأويل الجاهلين «التي تؤهل الأجيال من عوامل الزيغ والانحراف»، واتباع مغريات عزّزت فيهم هذا الفراغ الروحي.
كما تحدّث الشيخ عن دور الزوايا التي حفظت للجزائر القرآن ولغته التي انزل بها، فكانت قلاعا حصينا، خاصة في عهد الاحتلال، حيث أبطلت الخطط التي أعدتها فرنسا الاستعمارية خاصة مشاريع التغريب والتنصير، وقال إن هذه القلاع الربانية الأصيلة ما تزال تمارس هذه الرسالة ولم تحيد عنها، وهو يتطلع أن تتكامل جهود الزوايا مع مؤسسة جامع الجزائر من أجل خدمة هذه الرسالة المشتركة.
وتعمل هذه المؤسسة الدينية على إبعاد التمزق الذي ينتج عن الاختلاف في المذاهب، والذي يرجعه الشيخ الحسيني إلى «سوء التعامل مع سنة الاختلاف، الذي هو سنة بين عباد الله»، وقد دعا في هذا الإطار إلى تفادي التعصب وإلغاء الآخر، مشيرا إلى أن الاختلاف الذي يدعو إليه ديننا هو «اختلاف تكامل».

الدّبلوماسية الدّينية
 تأتي ظاهرة الإسلاموفوبيا التي انطبعت في النفوس من خلال الممارسات الخاطئة، التي كانت وراء الفئات التي نشرت العنف والغلو في الدين الذي اهلك الامم السابقة، ولذلك يقول الشيخ إنه يجب العمل على إعطاء الرؤية الصحيحة، وذلك من خلال أبحاث تقدّم وتنشر، وأعمال تعيد للجزائر المكانة العلمية، التي تبوأتها عبر العقود والقرون، وقد أسهمت في العطاء العلمي الذي كان إشعاعا على البلدان العربية والإسلامية.
كما انتقد الشيخ المنظومة التربوية التي شهدت في العقود الماضية تراجعا، وغيب في بعض مقرراتها الأسس التي تدخل في صياغة الفرد المسلم، لتعزيز انتمائه الحضاري الأصيل حتى لا ينقلب خصما على وطنه، داعيا الجهات المعنية للتعاون من اجل تحقيق هذا الهدف.
ولا يقتصر دور جامع الجزائر على الحفاظ على الأمة من محاولات الاختراق لبث الفتن والتفرقة، وإنما لديها دور آخر تجاه الخارج، فهي تضطلع بمهام «الدبلوماسية الدينية»، يقول الشيخ الحسيني في هذا الصدد إنه ينتظر من الصرح الديني تنظيم ملتقيات فكرية دولية، تهدف إلى تحقيق الحوار الحضاري المثمر، الذي يقوم على أسس صحيحة، وهو مفهوم أصيل في القيم الإسلامية، «الحوار مع الآخر» الذي يطلق عليه حوار الثقافات والحضارات، مشيرا إلى أن فشل حوار الديانات  كان بسبب ما تمارسه الدول التي تتحكم في مصائر الشعوب، من خلال اعتمادها على الكيل بمكيالين.
ويذكر أن الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني هو عالم صوفي، وأحد أبرز علماء الدين في المذهب المالكي الذي تنتهجه الجزائر، ويبلغ من العمر 78 عاما. رافع طيلة حياته من أجل الاعتدال، كما قدّم إسهامات من أجل الوحدة بين المذاهب الإسلامية والتقريب بين الفرقاء.
وتولى عدة مناصب مسؤولية، بينها: مدير مساعد للبرامج والامتحانات بوزارة التعليم، ومديرا التوجيه الديني بوزارة الشؤون الدينية، ومستشارا قائماً بتنظيم الحج، وهي السيرة التي تجعل منه أحد أبرز القامات الدينية في الجزائر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024