لم تخرج زيارة كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى الجزائر، عن الإطار الثنائي المتضمن ترقية العلاقات وترقية فرص الشراكة الاقتصادية والاستثمار. وذلك عكس قراءات حاولت ربطها بملفات إقليمية تتطلب انحيازا أو اصطفافا.
خلافا لما أثير في بعض المنصات الإعلامية، عن زيارة بلينكن، واعتبار كونها محملة بشحنات ثقيلة من أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين من جهة وموسكو من الجهة المقابلة، استوفت (الزيارة ) كل الشروط التي تجعلها «عادية» وتدخل في إطار العمل الرامي إلى الرفع من مستوى التعاون الثنائي.
ولوحظ في الندوة الصحفية التي عقدها كاتب الدولة الأمريكي للشؤون الخارجية، بمقر سفارة بلاده بالجزائر، حرصه على تسجيل موقف بلاده الداعم لتسوية عادلة لملف الصحراء الغربية، ومساندة جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وعدم اقتران ذلك بأية صفقة سياسية (مثلما فعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب).
ونشرت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الجزائر، مقطع فيديو، على صفحتها الرسمية بتويتر، رفقة بلينكن، وهو يبدى «اهتمام بلاده الشديد برفع مستوى الاستثمارات الاقتصادية بالجزائر»، مبرزا رمزية اختيار أمريكا كضيف شرف «في معرض الجزائر الدولي « الذي ستنظمه الجزائر، الصيف المقبل، باعتباره أكبر تظاهرة اقتصادية في إفريقيا.
في المقابل، أكدت الجزائر، أنّ المحادثات التي جمعت بلينكن بكبار مسؤولي الدولة، نتج عنها «ارتياح» للأجواء الودية والبناءة، مشيرة إلى «زخم قوي تم إضفاؤه على الشراكة الإستراتيجية التي تتضمن آفاقا واعدة».
وبشأن الملف الأكثر ترقبا، والمتعلق بإمدادات الطاقة، فقد ضم وزير الخارجية الأمريكي صوته إلى أصوات شركاء الجزائر الذين يثمّنون دوما وفاءها بالتزاماتها. وخلافا لهذه النقاط، فكل ما أثير من قراءات أريد، استظهار الموقف الجزائري من التطورات العالمية، يظل «تكهنات غريبة» مثلما وصفها مصدر دبلوماسي جزائري، فلم يتم التطرق إلى إعادة فتح خط أنبوب الغاز الأورو-مغاربي، سواء مع بلينكن أو مع مساعدته ويندي شرمان التي سبقته في زيارة قبل أيام. ومن دون شك، أنّ الواقعية السياسية، تجعل من ربط نشاط الخارجية الأمريكية مع أية دولة من الدول بما يجري في قلب أوروبا، أمرا منتظرا، خاصة ما يتعلق بمحاولة تسجيل المواقف أو استظهارها. لكن، وبالنظر للتصريحات الرسمية وغير الرسمية الصادرة عن الجانبين الجزائري والامريكي، يتأكد أنّ الجزائر «لم تتزحزح قيد أنملة»، عن مواقف الحياد الإيجابي التي تضعها ضمن ركائز السياسة الخارجية، كما أنّها ترفض بشدّة كل ما من شأنه أن يكون تدخلا في شؤونها الداخلية أو ضغوطا على قرارها. وفي وقت تصاعدت التكهنات بشأن مخرجات محطة الجزائر في جولة الوزير الأمريكي، وبروز «أماني حالمة» بإعادة تفعيل أنبوب الغاز الأورو-مغاربي، أعلن الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية شكيب قايد من إيطاليا اعتزام الجزائر مراجعة جميع الاتفاقيات التي تجمعها مع اسبانيا، عقب التحوّل المفاجئ لموقف حكومة سانشيز من النزاع في الصحراء الغربية.
ويرفق حياد الجزائر الإيجابي، بحرصها الشديد على صيانة سيادة قراراتها الخارجية بما يحمي مصالحها الوطنية، بعيدا عن صفقات الاتجار بمصير الشعوب.