رصد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول، تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأسواق العالمية، خاصة المواد الغذائية، كون روسيا وأوكرانيا من بين أكبر مصدري الحبوب في العالم.
أشار مبتول إلى أن تصاعد الأزمة من خلال الحرب، ينجر عنه ارتفاع جنوني للأسعار بما يهدد التجارة الدولية، حيث سجلت أسعار الحبوب 393 أورو لطن واحد في بورصة «تورونكست» يوم 6 مارس وتتجه إلى نحو 400 أورو، ترافقها توترات جيوسياسية، على اعتبار أوروبا تابعة بأكثر من 26٪ في النفط وأكثر من 47٪ في استهلاك الغاز لروسيا، أول بلد مصدر للغاز الطبيعي في العالم.
أشار الخبير في تصريح لـ «الشعب»، أن الجزائر تموّن أوروبا بحوالي 11٪ من احتياجات الطاقة وتحقق لها المحروقات ومشتقاتها حوالي 98٪ من الإيرادات بالعملة الصعبة، مما يثير الخيارات أمام الشركة الوطنية للمحروقات «سوناطراك» وعموما أي سياسة لاقتصاد متنوع خاصة بالنسبة للأمن الغذائي؟.
وفي تحليله للمؤشرات يوضح محدثنا، أن سوناطراك أعدت تقريرا مؤقتا لحصيلة إنجازات سنة 2021 تفيد بياناتها الأولية للإنتاج زيادة بحوالي 5٪ في إنتاج المحروقات، إذ انتقل من 175.9 مليون طن نفط مكافئ في 2020 إلى 185.2 مليون طن نفط مكافئ في 2021.
وبخصوص حجم الإنتاج على مستوى وحدات التكرير، يسجل استقرار بمعدل 27.9 مليون طن نفط مكافئ في 2021 مقابل 27.8 مليون طن مكافئ في 2020. أما إنتاج الغاز الطبيعي المميع (ج.ن.ل) فقد حققت سوناطراك في 2021 تقدما بنسبة 14٪، إذ بلغ مستوى الإنتاج 26.3 مليون متر مكعب مقارنة بحجم إنتاج 2020 (23.1 مليون م.م)، مع ضمان تغطية احتياجات السوق الوطنية المقدرة بحوالي 64 مليون طن نفط مكافئ في 2021 أي بزيادة 9٪ مقارنة بـ2020، ما يمثل زيادة بـ9٪، مع انخفاض هام في الاستيراد يقدر بـ70٪.
وبشأن التصدير، يتضمن تقرير حصيلة الشركة الوطنية، زيادة معتبرة بنسبة 18٪ بين 2020 و2021، مما سمح بمضاعفة الكميات الموجهة للتصدير من 80.7 مليون طن نفط مكافئ نهاية 2020 إلى 95 مليون في 2021، بإيرادات (عدم الخلط مع الربح الصافي بعد خصم الكلفة) تجاوزت 34.5 مليار دولار في 2021 مقابل 20 مليار دولار في 2020.
ولأجل تطوير القدرات الوطنية للإنتاج لتلبية الطلب الداخلي الذي ينمو بمعدل 5٪ سنويا، وكذا الوفاء بالالتزامات التعاقدية مع مختلف الشركاء، خاصة في أوروبا وآسيا، يتوقع أن تستثمر سوناطراك 40 مليار دولار آفاق 2026، منها 8 ملايير دولار في 2022.
وأوضح، مبتول، أن التصريح الأخير للرئيس المدير العام لسوناطراك أسيئ فهمه، ذلك أنه يتضمن فروقا دقيقة لم تبرزها الصحافة الدولية.
وتبقى الجزائر، كما أكده المحافظ الأوروبي، شريكا موثوقا بإنتاج أقل كلفة ويسهل نقله، لكن الأمر يتطلب استثمارات هامة في إطار شراكة رابح رابح مع شركات أجنبية لتطوير المنشآت الضرورية، مع تطوير سوناطراك للأداء المناجيريالي، لتقليص الكلفة، كون من الصعب اليوم التمييز إذا كانت الإيرادات ناجمة عن ارتفاع الأسعار في الأسواق الدولية أو عن تحسين في التسيير الداخلي.
وبعد أن توقف عند بيانات تخص الاحتياطات النفطية (10 ملايير برميل و2500 مليار متر مكعب غاز طبيعي)، مذكرا بصادرات الجزائر من الغاز أول وجهاتها البلدان الأوروبية أساسا إيطاليا (35٪) إسبانيا (31٪) تركيا (8,4٪) وفرنسا (7,8٪)، أوضح أن هناك حدودا اقتصادية، كون الجزائر تواجه عائقين أساسيين، هما قوة الاستهلاك الداخلي (تقديرات آفاق 2025 / 2030 تتجاوز حجم الصادرات الحالية) والمنافسة من عديد الفاعلين.
ولاحظ الخبير، أن شهر مارس 2022 لا تزال تهيمن عليه صادرات المحروقات ومشتقاتها، فضمن حصيلة 2021 يسجل 34.5 مليار دولار، منها 2.5 مليار دولار مشتقات مدرجة في خانة 4 ملايير دولار خارج المحروقات من طرف وزارة التجارة.
وعن آفاق العلاقات الطاقوية للجزائر، أوضح الأستاذ مبتول، أن الإحصائيات الدولية تشير إلى أن الجزائر تملك أكبر خزان للغاز في العالم، بحوالي 200 مليار متر مكعب، لكن هذا الملف المعقد، كما أضاف، يتطلب، وفقا لما أشار إليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، استثمارات ثقيلة مع حوار اجتماعي وتكنولوجيات ملائمة غير تلك الموجودة حاليا (تقنية الكسر بالمياه) من أجل حماية البيئة والمياه الجوفية. إلى جانب هذا، يوجد مشروع الأنبوب الإفريقي (نيجيريا - أوروبا عبر الجزائر) بطاقة 33 مليار متر مكعب من الغاز ويرتبط بموقف أوروبا، أهم زبون، حددت كلفته بـ20 مليار في 2020 وأجل إنجاز 5 سنوات. لكن، يضيف مبتول، توجد بدائل، تتمثل، بالنظر لتغير المناخ، في إسراع العالم في الانتقال الطاقوي والتوجه إلى المزيج الطاقوي وتحسين الفعالية الطاقوية وتطوير الطاقات المتجددة (الجمع بين الحرارية والضوئية).
وقد سطرت الحكومة برنامجا لإنجاز 22 ألف ميغاواط آفاق 2030 لإنتاج 30 إلى 40٪ من احتياجات الكهرباء من مصادر متجددة، خاصة مع الطلب الداخلي المتزايد، ومن ثمة تأمين صادرات الغاز الطبيعي. والبديل الآخر، بحسب الخبراء، تنمية الهيدروجين آفاق 2030 / 2040 وهو طاقة غير ملوثة.
وخلص الخبير عبد الرحمان مبتول، إلى أن الجزائر تبنت موقفا محايدا بشأن الأزمة في أوكرانيا. ولكون لديها علاقات ودية مع مختلف الأطراف المعنية، دعت في جلسة الأمم المتحدة في 2 مارس 2022 الخاصة بهذا النزاع، إلى ضبط النفس وانتهاج الحوار ضمن احترام القانون الدولي وهو ما انتهجه عدد معتبر من بلدان القارة الإفريقية والصين. وأضاف، أن سوناطراك تنتهج موقفا تجاريا لتلبية طلب السوق الداخلي والوفاء بالتزاماتها الدولية.