أكد التحول المتسارع للأحداث، المكانة الهامة التي تحتلها الجزائر في محيطها الإقليمي وامتداداته الجغرافية، كركيزة أمن وسلام. إذ بينت خياراتها الإستراتيجية التي مزجت بين «الحكمة» و»الجدية»، أحقيتها بمكانة «الشريك القوي» و»الموثوق»، بعيدا عن كل مزايدات.
أحيت الجزائر، الخميس الماضي، ذكرى تأميم المحروقات، في سياق وطني ودولي خاص.
فقد كانت الفرصة مناسبة للوقوف على التطور الهائل للمقومات الفنية والبشرية لعملاق الطاقة سونطراك، بإطاراته الجزائرية ذات التأهيل والمستوى العالي للغاية.
وفي خضم النقاش المستمر على تعزيز الأمن الطاقوي للبلاد، بما ينسجم والقراءات الاستشرافية للنمو الديمغرافي وتمويل مخططات التنمية الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد، برزت تهديدات غير مسبوقة على الأمن الطاقوي العالمي، وخاصة ما تعلق بالغاز الطبيعي.
ليس الممكن ألا تعنى الجزائر بهذا الموضوع فائق الأهمية، لأنها وببساطة تحتل المرتبة السابعة في قائمة الدول المصدرة للغاز بـ41.1 مليار متر مكعب. وتعتبر مصدّرا تقليديا رائدا لهذا المورد، إذ أنها أول بلد يورّد الغاز المسال عبر الأنابيب لشركائه.
ومع ما تعيشه أوروبا مؤخرا، وفي ظل الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا وتضارب التوقعات بشأن الأمن الطاقوي الأوروبي، خرجت بعض أبواق الدعاية المضللة لنشر قصاصات إعلامية بشأن إدارة الجزائر لملف الغاز.
ومنذ 2016، وقبيل بروز بوادر أزمة حادة في أوروبا، شُنّت على الجزائر حروب إعلامية ضخمة، لغرضين أساسيين، هما: ليّ ذراعها في السوق الطاقوية والعمل على تحجيم دورها الإقليمي، ثم امتد الأمر إلى محاولة تحطيمها من الداخل.
لقد وُظّف اعتماد اقتصادها بنسبة 98٪ على المحروقات، كمؤشر «هشاشة مزمنة» ليستخدم في تصنيفات عالمية مشوهة للواقع الجزائري في جميع المجالات، ومثال ذلك وضع منظومتها الصحية في المرتبة 44 إفريقيا سنة 2020 من أصل 55 دولة!
تواصلت الحملة الدعائية على عقود الغاز الطويلة بين الجزائر وشركائها، وهناك من حاول إيهام الرأي العام، أن حصتها من السوق الأوروبية تحديدا باتت مهددة بشكل خطير، لصالح مصدرين جدد.
كان ذلك سنة 2018، وتزامن مع إشاعات مخبرية، اجترت لشهور طويلة، تفيد بتخلي نيجيريا عن مشروع الأنبوب العابر للصحراء لصالح مشروع موازٍ يعبر غرب إفريقيا والأطلسي ليصل أوروبا، ناهيك عن محاولات التشكيك في إمكانية ضمان تزويد إسبانيا والبرتغال بالكميات المطلوبة عبر خط بني صاف- ألميريا، بعد عدم تجديد أنبوب المغرب العربي أوروبا.
إدارة الملف
الآن، وفي ظل المستجدات الراهنة، تحاول الأطراف ذاتها، جرّ الجزائر إلى خارج نهجها في إدارتها للموارد الإستراتيجية القائم على النزاهة والشفافية، بعيدا عن كل حسابات ضيقة.
وبعدما برزت القرصنة الدبلوماسية بشكل لافت في غرب المتوسط في السنتين الأخيرتين، حافظت الجزائر على خياراتها في إدارة علاقاتها كبلد صديق ملتزم بحسن الجوار وعلى درجة عالية من الجدية.
من هذا المنطلق، تحتكم الجزائر في مساهمتها في الأمن الطاقوي للشركاء، على الالتزام بالعقود المبرمة، وفق مبدإ «التقاسم العادل للمنافع».
وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد أكد في رسالته بمناسبة ذكرى تأميم المحروقات، الخميس الماضي، استعداد «الجزائر للمساهمة في الأمن الطاقوي لشركائنا من الدول عبر تأمين التموين بالمحروقات، خاصة من الغاز الطبيعي».
وحملت زيارة وزير خارجية إيطاليا لويجي دي مايو، أمس، والذي كان مرفوقا بالرئيس التنفيذي لشركة «إيني» الكثير من الدلالات في هذا الجانب. وأهمها سقوط كل محاولات تحييدها عن مكانها الطبيعي «كقوة استقرار استراتيجي في المنطقة»، بل إن المستجدات العالمية الحاصلة أعادت كل واحد إلى حجمه الطبيعي وفضحت من يبيع الوهم والدجل السياسي لشعبه وبقية الشعوب، ومن يثبت على المبادئ الراسخة في إدارة علاقاته مع شركائه الدوليين، رغم التحولات المتسارعة.
من هنا ترفض الجزائر، إعطاء ملف المحروقات أكثر من حجمه التجاري المحض، من خلال تأمين الكميات التعاقدية الحالية أو التفاوض على طلبيات أخرى عاجلة أو زيادة لكمية التدفق.