يلتقي بعد ظهر نهار اليوم، طرفا النزاع السياسي والمسلح في دولة مالي، على طاولة تتوسطها الجزائر ومحاطة بمنظمات إقليمية وقارية ودولية، للتفاوض تمهيدا للدخول في حوار شامل يفضي إلى السلم والمصالحة.
وحسب مصدر دبلوماسي، المفاوضات المقرر انطلاقها بفندق “الأوراسي” بالعاصمة سيسبقها في الصبيحة اجتماع رفيع المستوى، لممثلي منظمة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي، المجموعة الاقتصادية لتنمية دول غرب إفريقيا والاتحاد الأوربي، والذين أكدوا كلهم على مساندة ودعم أية خطوة من شأنها أن تخرج مالي من الأزمة وتحقق للماليين سلاما دائما يقوم على اتفاق نهائي يأخد المطالب المشروعة لسكان إقليم الشمال ويصون الوحدة الترابية والوطنية والطابع الجمهوري للدولة.
وستضع 6 حركات سياسية ومسلحة من شمال مالي ممثلة في الحركة العربية الأزوادية، التنسيقية من أجل شعب أزواد وتنسيقية الحركات والجبهات القومية للمقاومة الموقعة على “إعلان الجزائر”، وكذا الحركة الوطنية لتحرير أزواد، المجلس الأعلى لتوحيد أزواد والحركة العربية الأزوادية الموقعة على أرضية التفاهم الأولية منتصف الشهر المنصرم بالجزائر، جملة مطالبها ومآخذها على وفد الحكومة المالية الذي يضم عددا من الوزراء والخبراء، على أن تطرح هذه الأخيرة خارطة طريقها لوقف الإحتقان وبلوغ مرحلة المصالحة الوطنية ومباشر التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وحتى وأن بدت قضية الانفصال والاستقلال مربط الفرس ونقطة التفاوض الرئيسية بين الجانبين، على اعتبار أن السلطة المركزية تضعه خطا أحمرا غير قابل للنقاش بينما رفعته الحركات المسلحة في السنتين الأخيرتين كمطلب رئيسي، إلا أن الرهان كله لتلطيف الحدة وتهيئة الأجواء يقع على عاتق الجزائر والمنظمات الدولية الرسمية الحاضرة والداعمة لمالي كدولة ذات سيادة على كل شبر من ترابها.
واستطاعت الدبلوماسية الجزائرية في ظرف قياسي من زحزحة الأوضاع من طبيعتها الراكدة منذ الانتخابات الرئاسية المالية العام الماضي والتي أفرزت إبراهيم ابوبكر كيتا رئيسا، بعدما نحج اتفاق واغادوغو بين الحكومة والمتمردين في توفير الظروف السانحة لحدث مماثل أعاد شرعية الحكم.
واستدعت الأجواء المشحونة وتجدد الاشتباكات في مدينة كيدال معقل الحركات أهم الحركات المسلحة من حين لآخر تسريع وتيرة التقارب والتفاوض، بناءا على أرضية صلبة ووسيط يحظى بالثقل الإقليمي والدولي، فرأى الرئيس المالي في الجزائر الوسيط الأنسب للخروج من النفق الدامس، وتوجه بطلب رسمي لنظيره عبد العزيز بوتفليقة شهر جانفي 2014 للمساهمة في حلحلة الأزمة.
فالمفاوضات التي ستباشر اليوم، ليست مبادرة من الجزائر لأنها لم تطلب الوساطة وإنما مسعا منها والتزاما لمساعدة دولة جارة تربطها بها علاقات تاريخية قامت بإشراكها في حل أزمة إقليم بأكمله من خلال اللجنة الثنائية الاستراتيجية الجزائرية المالية حول شمال مالي.
المصدر الدبلوماسي المطلع على الملف، أكد أن لب المشكلة في شمال مالي سياسي ويستدعي حلولا سياسية، ونظرا للفراغ الذي عمر طويلا وكذا الحسابات الجيواستراتيجية لقوى خارجية جعل الأزمة تأخذ تعقيدات أخرى، ورأى أن التوصل إلى حل نهائي ممكن جدا بالنظر إلى المساندة القوية للمجموعة الدولية وحتى من طرف الإيكواس التي انخرطت في المسعى رغم أنها كانت قد عينت وسيطا خاصا بها عند نشوب الأزمة، هو الرئيس البوركينابي بليز كومباوري باعتبار مالي من الـ15 عضوا بالمنظمة.
ونجحت الجزائر 3 مرات في مصالحة الماليين مع بعضهم سنوات 1991، 1992 و2006، ويبقى منوطا بدولة مالي بناء مؤسساتها الأمنية والاقتصادية للتحكم في إقليمها الشاسع والاستجابة لمطالب السكان تفاديا لأي انحرافات أخرى مع ضرورة حضور الإرادة لدى كل الأطراف والأطياف.