الخامس من جويلية 1962 ذكرى استقلال الجزائر والسادس من جوان 1944 هو يوم الإنزال وتحرير باريس من القوات النازية الألمانية. شعبان كانا في فترة من التاريخ، واحد متسلط والآخر يعيش تحت التسلط، لكن كلاهما وقعا ضحية الاستعمار والإبادة الجماعية والوحشية.
هذان الشعبان كانا خلال حقبة من الزمن ضد بعضهما وفي حقبة أخرى حاربا جنبا إلى جنب ضد الظلم والاستعمار، مع الفارق أن فرنسا في كفاحها ضد العنصريين الهتلريين النازيين استعانت بدعم الشعب الجزائري الشجاع لنيل حريتها واستقلالها. لكن الشعب الجزائري لم يكن فاقدا للدعم والحماية فقط، بل إلى تعاهد الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “ناتو” ضده والتعاون مع فرنسا الاستعمارية للحيلولة دون نيل الجزائر المكافحة استقلالها تطبيقا للبند الخامس من وثيقة الحلف.
يمكن أن نقول إن الشجاعة والتضحيات وكفاح الشعب الجزائري هو العامل الأساسي لكسب الجزائر حريتها واستقلالها، والطريقة الوحيدة لإثبات شرعية الشعب الجزائري، إذ يمكن تسميتها بانتصار الحق على الباطل، حيث أن العديد من المفكرين والكتاب من بينهم ألبير كامو، فرانتس فانون، ومانيو كانلي، يعتقدون أن الشعب الجزائري بقيادة جبهة التحرير الوطني أجبروا الجنرال دوغول وفرنسا على الاعتراف باستقلال الجزائر، وهذا الإجبار لم يتأتى بالكفاح المسلح الذي خاضه الشعب الجزائري، بل ارتبط كذلك بالمنهج الإعلامي والدبلوماسي الذي أوصل القضية الجزائرية إلى أبعد المناطق وأقنع الدول بعدالتها وشرعيتها.
إننا لا ننسى أبداً اعتقال ممثلي الشعب الجزائري الشجعان (أحمد بن بلة، آيت أحمد، كريم بلقاسم، رابح بيطاط...) الذين شكلوا وفد جبهة التحرير الجزائرية المفاوض، من قبل القوات الاستعمارية الفرنسية قبل إمضاء اتفاقية الاستقلال بمدينة إيفيان الفرنسية وذلك بهدف إضعاف الشخصية الثورية لديهم.
لكن الوفد بالأيادي المكبلة استطاع أن يصنع لوحة الافتخار والغرور الوطني الجزائري ويهزم غطرسة الاستعمار ويهدي للشعب حريته واستقلاله من قيود الاحتلال الفرنسي.
رفع الشعب الجزائري نساء ورجال وبإيمان راسخ ضد الظلم والطغيان شعار الحرية والاستقلال، وتعرضت صدورهم يوميا إلى رصاص المنظمة السرية للجيش الفرنسي OAS، حتى يتمكن جيل اليوم من الشباب الاحتفال والافتخار بيوم الخامس من جويلية وعيد الاستقلال ويتمتعوا بالحرية والاستقلال والديمقراطية، والمهم من كل ذلك تفاخر شعب مستقل بهويته الإسلامية العربية الأمازيغية.
إن النسوة اللاتي صنعن الافتخار مثل المجاهدة زهرة بيطاط مظهر التعقل وآداب المرأة الجزائرية، المجاهدتان جميلة بوباشة نبراس مقاومة المرأة المسلمة ضد الاستعمار وجميلة بوحيرد اللواتي تخطت أسماؤهن كل الحدود وترسخت في قلوب الشباب الثوار والمتحررين للشعوب الأخرى التي تعيش تحت وطأة الاستعمار في القارة الإفريقية، آسيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا.
هنّ اللواتي بعد إصدار حكم الإعدام عليهن، كان كلامهن يسقط على المستعمر كالسيف الحاد ويكتب بأحرف من ذهب صفحات تاريخ الثوار، حيث صرخن: “بإعدامكم إيانا فأنتم تخدمون أولئك المتعطشين لإراقة الدماء، ولكن نحن نموت من أجل حرية بلدنا وبقتلنا لن يمكنكم أبداً أن تسلبوا حرية واستقلال الجزائر”.
هنّ من ألف حولهن العديد من الكتاب والمفكرين وكتب حول جميلة بوباشة الفيلسوف بول سارنز والكاتب سيمون دبوار ومجدّوها هي وزملاءها المجاهدين ونكسوا الاستعمار الفرنسي.
إن مرحلة إنهاء الاستعمار وتأسيس المنظمات والتيارات السياسية والثورية في عشرية 1960 في إفريقيا، أمريكا اللاتينية، أوروبا والعالم الإسلامي وإنشاء الأدب والشعر الفن والثقافة السياسية والثورية والعدالة والحرية الاجتماعية هي تدين كلها إلى أولئك الرواد من الثوريين السابقين.
إن الرجال المناضلين والثوار الذين تحملوا كل أنواع المشقات هم بالنسبة لجيل اليوم رمز الافتخار وللوطن، صنعوا الاستقلال، وبشعار الإسلام ديننا – الجزائر وطننا - والعربية لغتنا أنقذوا الهوية الوطنية وثغور الإسلام من شر الأعداء. وأمثالهم مجاهدون كبار كالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي وهب عمره بدراية وتدبير كامل للاستمرار على هذا الدرب القويم وخدمة الشعب الجزائري.
الجزائر 29 / 06 / 2014
5 جويلية 1962
«يوم انتصار الحق على الباطل”
بقلم: السفير الإيراني بالجزائر محمود محمدي
شوهد:267 مرة