استقبلت، مؤخرا، جريدة “الشعب” الأستاذ زياد الهاشمي، رئيس تحرير الجريدة العراقية “الجمهورية”، الذي كشف في جلسة النقاش التي جمعته مع طاقم اليومية، عن آرائه حول الوضع السائد في بلاده والشرق الأوسط من أزمات أمنية مفتعلة، وكذا عن أوجه التقارب بين البلدين والشعبين الشقيقين الجزائري والعراقي. كما تطرق لدور الإعلام والإعلام المضاد في رسم، كل حسب منظوره، صورة العراق والعالم العربي للرأي العام.
”الشعب”: ما هي قراءتكم لما يعرفه اليوم العالم العربي والعراق بالخصوص من تدهور للوضع الأمني؟
زياد الهاشمي: قبل الإجابة على هذا السؤال، لابد من التذكير أن هناك جمهورية الجزائر في غرب العالم العربي وجمهورية العراق في شرقه، هما جمهوريتان لهما نقاط مشتركة عديدة. واليوم الجزائر مضغوط عليها بالأوضاع والأزمات الخطيرة التي تعيشها دول منطقة الساحل والمغرب العربي، فقد ابتليت بالإرهاب وعايشتم آثاره لمدة عشرية كاملة ونحن أيضا ابتلينا بالاحتلال وبالإرهاب والتدخل الأجنبي.
الموضوع اليوم والمشكل القائم هو عدم نهوض الأمة العربية وعدم وجود صحوة جديدة، الأمر الذي قد يشكل خطرا على مصالح إسرائيل بالمنطقة.
مشروع أمريكا الخرافي المبني على أكذوبة ومجيئ المحتل إلى أرضنا هو سابقة خطيرة في عصر العولمة والألفية الثالثة، الغاية منه تفتيت البنية التحتية للعراق بحجة المذهبية والطائفية وحماية وتقسيم العراق إلى إمارات والاستفادة من مواردها الطبيعية، مثل الغاز والبترول والفوسفات.
هل سبق وأن زرت الجزائر من قبل أم هي أول مرة؟
هذه أول زيارة لي بالجزائر وأعطي لنفسي أنني عشت منذ صغري مرحلة الغليان الثوري والاجتماعي الذي عرفه العراق من أجل نصرة الحركة الثورية لجبهة التحرير الوطني واستقلال الجزائر، كنا صغار وكان عندنا همان هما احتلال إسرائيل لفلسطين والاحتلال الفرنسي للجزائر وكنا يوميا بالمدارس نرفع العلم الجزائري ونستمع لنشيد قسماً.
وبعد تحرير الجزائر في 1962 قام الرئيس الشهيد، عبد الكريم قاسم، بتكريم الوفد الجزائر الذي زار بغداد وتقديم مبلغ 2 مليون دينار عراقي من أجل المساعدة في بناء الدولة الجزائر المستقلة. وبعد ذلك كنا نتابع الجزائر ونتابع اتجاهاتها ومواقفها حيال القضايا العادلة وتشجيعها الدول على حل الأزمات بالطرق الدبلوماسية والسلمية مع احترام السيادة الوطنية.
وكانت الجزائر وراء إمضاء اتفاقية 1975 التي مهدت للمصالحة بين العراق وإيران. وقد تمت تسمية مدينة في قلب بغداد باسم جميلة تيمّنا بشجاعة المجاهدة جميلة بوحيرد.
شاركت في معرض الجزائر الدولي، الذي تزامن مع انعقاد ندوة عدم الانحياز، كيف وجدت الجزائر؟
اجتازت الجزائر اليوم التحديات التي كادت أن تعرّضها إلى مشاكل خطيرة وحروب داخلية بفضل المصالحة الوطنية وجلوس كل الأطراف إلى طاولة الحوار.
واليوم الكل يشهد بأن هناك انفتاح جديد على العالم من جهة الاقتصاد، وأصبحت الجزائر تكسب ثقة الكثير من الدول الأخرى، إذ تنعقد على أرضها مؤتمرات اقتصادية ومعارض دولية، إلى جانب لقاءات للسياسة والدبلوماسية العالمية.
وكل شيء اليوم يمهد لجزائر عصرية وقوية، فقد زرت معالم أثرية، متاحف ومقام الشهيد، والميناء وهي كلها دليل قاطع على الإنجازات الكبيرة التي جسدت.
أنا عضو في المعرض التجاري ببغداد وجئنا لدعوة الجزائر وشركاتها الاقتصادية والصناعية للمشاركة في دورة معرض بغداد الدولي الذي سينظم في بغداد في شهر أكتوبر من السنة الجارية.
العراق في ظروفه الحالية بلد مستهلك يعتمد على الاستفادة من الجزائر في الصناعات الخارجية وتطور الجزائر في هذا المجال. في مجال الصناعات الغذائية، الصناعات التقنية، صناعات الجرارات، أمر نهتم به كثيرا في العراق.
أي دور يمكن أن يلعبه الإعلام في تحسين صورة العراق والعالم العربي بصفة عامة، ونحن في عصر الصورة والسمعي البصري؟
نعيش في العراق اليوم مرحلة تحدّ كبير، فمن بعد الاحتلال وإمضاء معاهدة خروج المستعمر سنة 2011، وقيام حكومة نوري المالكي، فالذي يجري عندنا اليوم هو محاولة ضرب استقرار العراق وهز صورته عن طريق وسائل الإعلام الكثيرة المضادة.
هذه الأخيرة التي تحرك رأي المواطن، حيث لا يرى في العراق سوى الخلاف الطائفي، والشيعي يقاتل السني والكردي، والمغزى من ذلك، أنهم يريدون تفتيت العراق على الصعيدين المادي والمعنوي.
فالإعلام المضاد اليوم، يسلك نفس نهج الاحتلال الذي جاء لحماية مصالح إسرائيل وإضعاف العراق، كان العراق يناشد كل الحركات التحريرية وفلسطين.
وهناك إثارة النزعة الطائفية والقومية وأنه لا مجال إلا للتقسيم: دولة كردية، دولة سنية وأخرى شيعية.
ومن المؤكد أن الشعب العراقي ليس له دخل، فهو اليوم ضحية أحزاب متصارعة، إرهاب دولي محترف، مؤامرات إسرائيل، الثأر القديم مع الكويت، أطماع السعودية، هيمنة إيران على الجانب الشيعي، وتركيا التي تحاول الحفاظ على مصالحها في الشمال، ناهيك عن تأزم الوضع الأمني الذي تعيشه سوريا اليوم، وقيام مجموعات ما يسمى بـ«داعش”، وهي كلها أخطار محدقة بأمنه وبسلامته.
فالإعلام المضاد يلعب اليوم دورا رهيبا من خلال تسليطه الضوء على الأزمات التي تغدي وتشجع على الانغماس في التقاليد الطائفية والعادات المذهبية أكثر من جوهر الدين الإسلامي الحنيف.
وما الدور الذي قد يقوم به الإعلام العراقي الحقيقي ونقابة الصحافيين للتصدي لهذا؟
نقابة الصحافيين العراقيين نقابة قوية، يترأسها مؤيد اللامي وهو نائب رئيس اتحاد الصحافيين الدوليين العرب، وهي قد احتفلت، الأسبوع الماضي، بالعيد الرسمي لتأسيس الصحافة العراقية، المصادف لإصدار أول عدد من جريدة “الزوراء”، وهي أول صحيفة أنشئت في القرن 19 إبان العهد العثماني.
ولابد من التأكيد أن الإعلام العراقي الحقيقي محايد، لا ينحاز إلى تطلعات الأحزاب الطائفية، ونقابة الصحافيين تقف على الحياد ولا تريد تمزيق العراق ونحن مؤمنون أن أفضل حل للعراق هو عراق موحد قوي بحكومة ديمقراطية شعبية مدنية، لأنه عندما نتكلم لغة الأغلبية والأقلية والمذهبية يبقى الخلاف قائما والهوة مفتوحة، فالتحدي الكبير اليوم هو التأسيس لدولة مدنية.
ما هي قراءتكم لما يعرفه العالم العربي اليوم من أزمات ومحاولات تغيير في خارطة الشرق الأوسط ؟
إن تغير خارطة المنطقة، وتغيير الأنظمة من ديكتاتورية شمولية قوية إلى تفتيت للدول بداعي الديمقراطية، ليس سوى وسيلة مقنّعة للإبقاء على أسعار النفط، وعدم تمكين العراق من رفع حصته في منظمة “أوبك” لصالح السعودية، وخوفا أيضا من أن تساعد عائدات البترول العراق في الرجوع لوضعه الاقتصادي والعسكري القويين.
إذن فاختلاق أزمات أمنية وتأسيس مليشيات على أساس مذهبي ما هي سوى طرق معتمدة لتشويه صورة العراق وتفريق شعبه، الذي هو شعب متصاهر فيما بين السنيين والشيعيين وكان متوحدا حيث لم يكن وجود لتسميات الطائفية هذه في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.
آخر كلمة؟
بمناسبة وجودي بالجزائر أبعث بالتهاني الحارة إلى الحكومة الجزائرية الديمقراطية الشعبية وعلى رأسها السيد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ووزير الخارجية، على الإنجاز الكبير الذي بذلته من أجل تنقية الأجواء العربية وحل الأزمات والمشاكل على الحدود مثل أزمة ليبيا ومالي والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان واحترام سيادتها.
زياد الهاشمي رئيس تحرير الجريدة العراقية «الجمهورية»
تربينا على النشيد قسماً وحملنا الجزائر في القلب
حاوراه فنيدس بن بلة وحبيبة غريب
شوهد:280 مرة