بتأديته لليمين الدستورية اليوم بعد فوزه الساحق في انتخابات ١٧ أفريل.. يفتح رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، آفاقا سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة في مسيرة البناء المؤسساتي للجزائر.. والانتقال بالبلد إلى مرحلة أرقى تترجم فيها تلك الإرادة القوية في توضيح الرؤية.
وتدقيق النظرة تجاه العناوين الكبرى المدرجة في نطاق استكمال المشاريع المبرمجة في كل هذا المسار الوطني.. الزاخر، تلك القناعة العميقة باستحداث ذلك التواصل في التشبيب والإلمام الكامل بكل المسائل ذات الصلة المباشرة باهتمامات الدولة وانشغالات المواطن.. وهي مقاربة متناسقة تجد العناية اللازمة لدى السلطات العمومية.
وهذا التوجه العام ليس وليد نزوات عابرة.. أو نتاج حماس فياض.. وإنما التزامات وجدانية وتعهدات صادقة، ماتزال راسخة في أذهان كل من وقف على خارطة طريق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ أن تولى هذا المنصب شعاره: «خدمة الجزائر أولا وأخيرا». هذا ما كان يختلج في صدر هذا الرجل.. وهذا ما كان يحرك ضميره.
لا يحق للبعض اليوم اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام أو القفز في المجهول.. أو جلد الذات.. علينا إنصاف التاريخ.. كيف كانت الجزائر قبل سنة ١٩٩٩ وكيف أصبحت فيما بعد؟
من الخطإ الفادح قياس الإخلاص والوفاء بالزمن.. عندما تقلد هذا المنصب كان البلد دخانا ونارا.. وصلت إلى مرحلة من الانسداد على الصعيد الأمني بسبب غياب إطار واضح للحل.
أما اقتصاديا واجتماعيا فالوضع كان صعبا على جميع الأصعدة..
تداعيات تطبيق برنامج التعديل الهيكلي لصندوق النقد الدولي.. ثقل ملف الديون، تعطل آلة الإنتاج، آثار سلبية على صناديق الضمان والمتقاعدين وغيرها من الحالات المعقدة جدا.. يستحيل عن أي كان أن يقبل تحمّل مثل هذه المسؤولية في تلك الظروف القاسية جدا.. ناهيك عن الحصار غير المعلن المضروب على الجزائر.. من طرف الصديق والشقيق.. هذه حقائق ساطعة عشناها عن قرب ولا داعي لإخفائها.
هذا المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. لم يثنِ من عزيمة الرئيس في التعامل معه بكل التحديات التي يحملها. وفي هذا الشأن كان واضحا كل الوضوح في هذا المسعى:
أولا: بإطفاء نار الفتنة؛
ثانيا: بترقية الاقتصاد الجزائري؛
ثالثا: بالعودة إلى المحافل الدولية.
هذه الخيارات كانت الشغل الشاغل لرئيس الجمهورية في كل العهدات.. وهذا بإعطاء الأولوية لاسترجاع الأمن والاستقرار.. عن طريق تقنين المبادرات المطروحة، بدأت بالوئام وامتدت إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية..
وهذا بفضل بعد النظر والاستشراف لجزائر الغد.. ونتذكر جيدا أن السيد بوتفليقة جاب كافة ربوع الوطن من أجل تحسيس الجزائريين بفضائل هذه المبادرة.. وكان يقول في كل تجمع شعبي: «لا بديل عن المصالحة بين الجزائريين وإن كان هناك حل آخر لا أعرفه آتوني به».
ولمس الشعب الجزائري في فترة وجيزة النتائج الإيجابة واستفادة الكثير من المغرر بهم من هذا الإجراء، بالرغم من الأصوات المتعالية من هنا وهناك حول ما أسموه بـ«اللاّعقاب»، غير آبهين بما خلفه الإرهاب.. (٢٠٠ ألف قتيل وأكثر من ٢٠ مليار دولار خسائر).
وبالتوازي مع ذلك.. كانت عين رئيس الجمهورية على فتح ورشات حيوية كإصلاح العدالة والمنظومة التربوية ومهام الدولة.. وهذا بإدخال آليات جديدة لإضفاء الفعالية على الأداء في الميدان.. هذه المسارات تسير جنبا إلى جنب.. تكمل بعضها بعضا لتفادي أي خلل آخر غير مجند. أي انطلاق العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي. من مسافة واحدة باتجاه فضاءات واعدة.. والفعل أو الأداء الاقتصادي كفيل وحده بالكشف عن التغييرات الجذرية في هذا التوجه، سواء في المؤشرات أو الاقتصاد الكلي وهذا بشهادة رئيس بعثة الأفامي السيد زين ولد زيدان يوم ١٧ مارس المنصرم.. الذي أشاد بالنتائج المسجلة في ٢٠١٣.. في حين بلغ احتياطي الصرف ١٩٤ مليار دولار مع نهاية ٢٠١٣.. ومستوى الديون المنخفض إلى ٣٫٣٩ مليار دولار في أواخر السنة المنصرمة.. ويتوقع نسبة نمو ٣٫٤٪ والتضخم ٣٪ والبطالة ٩٫٨٪ بعدما كانت ما بين ٢٨ و٣٠٪ في ١٩٩٩.
ونفس النسق شهدته السياسة الخارجية وهذا بإعادة الانتشار على نطاق دولي واسع وتعزيز التشاور والحوار مع عديد البلدان، المشاركة القوية في المنتديات العالمية «كرانس مونتانا» و»دافوس» ولقاءات الكبار.. واجتماعات الأمم المتحدة، وتكثيف التوجه العالمي لمكافحة الإرهاب.. والمطالبة بإضفاء العدل والمساواة والإنصاف في العلاقات الاقتصادية الدولية والوقوف على التأسيس للاتحاد الإفريقي في دوربان في جنوب إفريقيا وتدعيم مبادرة الشراكة الجديدة لإفريقيا «نيباد» وتقوية التضامن العربي.. إنها عيّنات من المجهود الجبّار الذي بذله رئيس الجمهورية لإخراج الجزائر من عزلتها بحكم أحداث التسعينيات..
اليوم هناك تواصل في المفهوم السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي، وهذا بآليات أكثر حيوية لتطبيق كل ما ورد في البرنامج المعد لهذا الغرض ٢٠١٤ - ٢٠١٩، والذي يحمل عنوان: «تعاهدنا مع الجزائر».
ومن خلال قراءة متفحصة لمحتواه.. يطرح فلسفة لمقاربات بأبعادها الأمنية والسياسية والاقتصادية، أي تصوّر شامل لكيفية تعميق تثبيت الركائز التي أدّت إلى كل هذا الاستقرار.. بجعلها مرجعية في المضي قدما نحو الفعالية.
وممّا زاد قوّة لهذا الحضور هو تصريح رئيس الجمهورية عقب إعلان المجلس الدستوري النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية والذي أشار فيه إلى التجديد للالتزامات، ومسعى التشييد الوطني.