أستاذ الإعلام عمار عبد الرحمان في حوار مع “الشعب”

الإعـلام الحلقة الأقـوى لدى المترشحين

حاورته: حبيبة غريب
  • شبكة التواصل الوجه الآخر للممارسة التعددية
  •  الفضائيات الجزائرية الخاصة تدخل السباق والتموقع في المشهد السياسي

كيف تعاطى المترشحون لرئاسيات الـ17 أفريل الجاري مع وسائل الإعلام المختلفة، وهل أدت هذه الأخيرة مهمتها على أكمل وجه؟ وما هو تأثير وسائل الاتصال الحديثة على توجهات الناخبين؟ هي بعض المحاور التي وقفت عندها جريدة “الشعب” في حوارها مع الإعلامي والمتخصص في علوم الاتصال والسيميولوجية، الأستاذ الجامعي عمار عبد الرحمان، الذي وبالرغم من إجراءه لعملية جراحية مؤخرا، إلا أنه آثر استقبالنا في بيته وخصنا بالحوار التالي.

«الشعب”: كيف تقيّمون استعمال المترشحين الـ٦ لوسائل الإعلام الثلاث، السمعية منها والبصرية، وكذا الصحافة المكتوبة لتبليغ رسائلهم وبرامجهم للمنتخبين؟
الأستاذ عمار عبد الرحمان: خلال متابعتي للأحداث لاحظت نوعا من “الهجوم” على وسائل الإعلام من قبل المترشحين وقيادات أركان مديريات حملتهم، وهذا دليل على أنهم قد فهموا أنه لابد من المرور بطريقة آلية عبر السلطة الرابعة، سواء قنوات السمعي البصري أو الصحافة المكتوبة.
ولأول مرة في تاريخ الحملات الانتخابية في الجزائرية والرئاسية بصفة خاصة، شهدت الساحة السياسية زخما كبيرا في الاستعانة بوسائل الإعلام، لم تشهده أي حملة منذ التسعينات.
وما أثار انتباهي هو أن المترشح أصبح يولي عناية  تامة للفكرة، ليس بالقطاع العمومي فحسب بل حتى بالإعلام الخاص وبالأخص القنوات الفضائية، ليس هناك فضائية أو قناة خاصة، لا نجد فيها ظهورا لممثلي المترشحين للرئاسيات أو من ينوب عنهم.
وهذه حالة صحية نفتخر بها اليوم، يكون السياسي قد أصبح يدرك مدى أهمية الإعلام  الشيء الذي يضيف نجمة على أكتاف رجالاته.
وهذا التهافت على وسائل الأعلام والقنوات الخاصة،  إيجابي جدا بالنسبة للمترشحين، حيث أصبح جميع المترشحين يتجهون إلى القنوات الخاصة، غير أنه ولد تقليدا جديدا على المشاهد عبر التدخلات والنقاشات التي تشبه العراك والتي تستعمل فيها العنف اللفظي والتجريح والقذف.
و قراءتي لهذا الأمر بالذات وللصورة السيميولوجية التي تولدت عنه، توصلت إلى أن القنوات الخاصة مازالت في حاجة إلى نضج إعلامي وإلى استعمال الآليات الكفيلة وإحداث الزخم الإعلامي الذي تصبو إليه.

سبق صحفي في غير محله

^ وإلى ماذا ترجعون أسباب هذه التصرفات؟
^^ بعض القنوات تعمد إلى إثارة النوازع وخلق نوع من البلبلة، هذا بغرض النجومية، والبحث عن سبق صحفي في غير محله فكل قناة أصبحت لها مآرب داخل الحوار، فقد أقحمت نفسها في الحملة الانتخابية، وأصبحت طرفا في اللعبة السياسية، متناسية أنها وسيط بين الحاكم والمحكوم وفي هذه الحالة بين المترشح والمواطنين، فلا بد أن تلتزم بالحيادية، وخلال هذه الحملة لم أر أي قناة التزمت بذلك من خلال الأسئلة  المطروحة أو الضيوف المدعوين، هناك نوع من التمييع والنقاش والحوار المتحيز ونوع من العداء الأكاديمي أو العلمي أي أن القنوات تسمح بالتجريح وتساهم أيضا في عملية التجريح والقذف من خلال إعلامييها.
فالمهام المنوطة بالقنوات الفضائية هي من الأهداف النبيلة إذ عليها أن توصل  برنامج المترشح إلى المواطنين، كما أتهم الضيوف أو على الأقل الناس والشخصيات التي تستضاف، كونها تتعمد إثارة البلبلة في الكثير من الأحيان واستعراض العضلات داخل الاستوديوهات.
وأصبح نقاش الشباب المساهم في الحملات الانتخابية يلبس شخصية أخرى خلال النقاشات التي تبثها بعض القنوات الخاصة والمقاربة أن من  يذهب إلى القنوات لا  ينبغي له أن يتكلم كشخصية الحزب أو الهيئة السياسية التي يمثلها وتستعمله، لحد الساعة لم أجد عند الشباب المساند للمترشحين الخطاب المتزن، بل وجدت شتائم وتجريحات والإعلاميون يساهمون في هذه العمليات القذرة.
أرى أن الإعلام الخاص قد أقحم نفسه في ما ليس له فيه مصلحة أو يد، ويرجع السبب في اعتقادي إلى أن غالبية صحفييه هم شباب لم يسبق لهم التعامل مع المجال السياسي والانتخابات الرئاسية، فلابد أن يعرفوا أن واحدا من الفرسان الستة سيصبح رئيسا  للبلاد يوم 18 أفريل القادم، فلا بد أن يكن لهم كل الاحترام إنني أتساءل كيف لهذا الصحفي الذي يشتم ويجرح في المترشح أن يتعامل معه غدا في حالة أصبح رئيسا، وهنا أنا لا ألوم الشباب بل ألوم القائمين عليهم.  
^ صدرت يوم 20 فيفري الماضي تعليمة رئاسية تطلب من وسائل الإعلام التعامل بنزاهة وعدالة مع المترشحين الـ٦ وتفادي نشر العنف اللفظي أو التجريح، وقد لاحظنا أنه لم تتقيد بعض الصحف والقنوات الفضائية بذلك، هل ستكون عواقب لمثل هذه التصرفات ومن يمكنه محاسبة المخالفات المسجلة ؟
^^ لأول مرة في تاريخ الصحافة في الجزائر، صدرت تعليمية رئاسية تحث الجميع على الوقوف على قدم وساق والالتزام بالحياد والموضوعية وشرف المهنة، وما أثار انتباهي خلال الأسبوع الأول للحملة، التزام الإعلام العمومي بها، خلافا لبعض الجرائد الخاصة والكثير من القنوات وهذا راجع لعدم نضح صحفيي السمعي البصري الخاص والزج بهم في فضاء أكبر منهم.
 وتأسفت حين قرأت ببعض الجرائد مونشات كاملة تدافع أو تتحامل على مترشح معين، فأنا لا أومن بالتأويلات التي تقول أن فلان سيفوز مسبقا فهناك 6 مترشحين ينبغي علينا احترامهم.
كنت أتمنى لو أن السلطة استبقت الأمور والأحداث  وأعطت الضوء الأخضر لتنصيب سلطتي الضبط للسمعي البصري وللصحافة المكتوبة لأنهما الوحيدتين القادرتين على محاسبة الصحافة التي خرجت من مكنونات التعليمة الرئاسية، سمعت أن المشروع المتعلق بسلطتي الضبط سيعرض على طاولة الحكومة وينشر في الجريدة الرسمية خلال الشهور المقبلة.  

الحملة تحت المجهر

^ شهدت الحملة في أيامها الأولى خطابات لمرشحين ميزها العنف اللفظي والشتم وابتعدت كل البعد عن تقديم البرنامج الانتخابي والتواصل مع المواطنين، فما هو السبب في ذلك؟
^^ فن الخطابة هو فن قائم له شروطه ومواصفاته ومن بين الشروط التي تحكمه هو إتقان الخطيب للموضوع الذي جاء من أجله، وأن يلتزم الموضوعية في الطرح ويبتعد عن التجريح والقذف والشتم (الثلاثية التي لا أحبذها) وعليه أيضا احترام المتلقي، أي الحضور الذي أتى إلى القاعة، فعلى المترشح أن يأخذ بعين الاعتبار أن المواطن الذي يدخل إلى قاعة التجمع ليس بالضرورة مساندا له، بل متعطش لسماع البرنامج.
كما أعتقد أن فن الخطابة فقد معناه في الكثير من المهرجانات الشعبية والنقاشات على الفضائيات التي خاضها المترشحون أو الذين ينوبون عنهم.
وبسقوط فن الخطابة إلى أدنى مستوياته خلال هذه الحملة، فقدنا صفة حميدة عند الشعب الجزائري ألا وهو الاحترام وابتعدنا عن معنى المقولة “ الأفكار تناقش والآراء تحترم”.  
لا أرى ضرورة استعمال الألفاظ البذيئة خلال الخطاب، فالشعب قد أصبح واعيا أكثر من ذي قبل.
ملاحظة أخرى  في ما يخص ما نسميه في السيميولوجية  لغة الأداء والحركات والإيماءات، فبعد ملاحظة دقيقة للمترشحين الذين نشطوا التجمعات خلال اليومين الماضيين، تبين على سبيل المثال أن كل الخلفيات التي استعملتها قيادة أركان المترشحة لويزة حنون عن قصد أو عن غيره لا أدري،  يغلب عليها اللون الأحمر مع القليل من اللون الأسود، ونرى أنه ولأول مرة في تاريخ  مشاركتها في الانتخابات  تبرز لويزة حنون اديولوجيتها على المباشر والأغرب في ذلك لاحظت أنها المترشحة الوحيدة التي تستعمل اليد اليسرى وهي دليل على الوعيد والتهديد.
وللأسف فالكثير من المترشحين خلال هذه الحملة الانتخابية لا يفقهون لغة الإشارات ولا يتعاملون مع الخطابات كما ينبغي.

شعارات ذات دلالة

^ وما هي قراءاتك السيميولوجية التي يمكن أن تعطيها  لصور المترشحين والشعارات المستعملة في حملاتهم الانتخابية؟  
^^ الملاحظ للأسف أن أركان هيئات المترشحين قد كررت أخطاء 2004 و2009، ولم تلجأ باستثناء مترشح واحد إلى الخبراء والمختصين في اختيار الصور وصياغة شعارات المترشحين، ففي علم الاتصال السياسي، التسويق لفكرة ما لابد من الرجوع للخلفية وللبعد الأكاديمي للكلمات التي تستعمل في الشعارات وكذا دراسة الوضعية والزاوية التي تلتقط فيها الصور المختارة للحملة، ولم أجد هذا سوى عند مترشحين اثنين، أما البقية فقد طغت عليها الاعتباطية وشوشت الصور والشعارات التي استعملت بصر المشاهدين.
فالمعمول به عالميا أنه لا يمكن استعمال أكثر من لونين في الصور، والصواب الاستعانة باللونين الأزرق والأبيض.
أما بالنسبة للشعارات، فأنا أتساءل كأكاديمي وسيميولوجي، من أين أتوا بها؟، فلنأخذ على سبيل المثال الثلاثية غير المفهومة للمترشح فوزي رباعين، خاصة في شقها الأوسط، وما المقصود ب«الامتياز”، فهذه الكلمة تحمل شق سلبي يعيد الفكر إلى أطروحات القرن التاسع أو العاشر، عندما كانت القوى الاستعمارية تستعمل الامتيازات لنهب حقوق الدول الأخرى.
 وإذا أخدنا بعين الاعتبار شعار المترشحة لويزة حنون فلكلمة “الجرأة” المستعملة دلالة سلبية، إذ هي دعوة للنرجسية ولموقف سلبي مستبق لأنه إذا قلنا الجرأة فنعني بذلك إحباط كل ما أسسته الحكومة الجزائرية منذ الاستقلال.
 وفي ضنّي فإن الشعار الذي قد نجح نوعا ما هو ذلك المستعمل من قبل المترشح عبد العزيز بلعيد الذي لعب على وتر حساس وهو الشباب، وقام بتقريب المستقبل للحاضر، ولهذا بعد دلائلي إيجابي يقصد منه التأثير على الرأي العام والوصول إلى الشباب خاصة، فنجد هنا شعارا صائبا ومدروسا.
^ ما هو تقييمكم للحملة الانتخابية؟
^^ الحملة الانتخابية في أسبوعها الأول لم تستقطب اهتمام الشعب الجزائري، فهناك تمييع الخطاب والاهتمام بالجانب الشكلي أكثر منه بالمحتوى كما شهدنا غياب في طرح الأفكار وغياب النقاش الحقيقي، ودراسة الخطابات، بل كانت هناك ارتجالية مما أثر سلبا على تقديم الرسالة بالشكل المراد.
فالنفوذ للاتصال السياسي يجب أن يكون بطرق علمية سديدة بعيدا عن لغة الشارع والارتجالية خاصة، ويعود الدور هنا إلى أهم حلقة في إدارة الحملة وهي خلية الاتصال.
ـ نشهد خلال هذه الحملة الانتخابية دخول رواد الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي كطرف يوظف كل طاقاته في نقل المعلومة ومنافسة وسائل الإعلام، إلى جانب استعمال المترشحين لذات الشبكات فهل لهذا تأثير على توجهات المواطنين وهل يكفل استمالتهم للحملة والمشاركة في الانتخابات؟
^ أصبح عالم الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي منبرا وفضاء للمترشحين، يقدمون من خلاله كل ما يريدون دون رقيب أو حسيب، وفي الغالب والمتعارف عليه، أننا عندما  ندخل هذا العالم نستعمل الهويات المستعارة ويكمن الخلل هنا، في من يتحدث مع من؟
^^ فالكل مستعار وافتراضي ورقمي، فأين تكمن الحقيقة، وهنا إشارة لمفهوم صحافة المواطن فهل يمكن تصديقها.
وقد تطرقت في كتابي الأخير”الجمهورية الفيسبوكية، السلطة الافتراضية” إلى هذا الإشكال الذي يطرح نفسه اليوم.
واقتحام المترشحين أو من ينوب عنهم للعالم الافتراضي نابع عن فهمهم لأهميته ولاحتوائه على كم هائل من الجزائريين، غير أنه ليس بالبسيط كونهم يتعاملون مع أغلبية رواد بهويات مستعارة، فحسب الأرقام التي قدمتها إدارة الفيسبوك مؤخرا فإن 80بالمائة من الجزائريين المسجلين بهذه الشبكة بهويات مستعارة، فيما تفتح يوميا 5 مليار صفحة “واب” بالجزائر وحدها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024