قبل سنة انفجر الشارع في ديناميكية احتجاجات واسعة الناطق لإنهاء مغامرة كانت تدفع إليها قوى غير دستورية استولت على السلطة وشرعت في تجسيد مخطط تدميري كاد أن يضع البلاد على حافة انهيار لن تقوم منه لأجيال لولا أن حسمت القوى الحية الموقف بالانحياز إلى خندق الشعب ومرافقته في تحقيق مطالبه المشروعة في مشهد استثنائي نال إعجاب الشعوب واحترام الدول الراقية في الممارسة الديمقراطية. بسلمية غير مسبوقة وشعارات واضحة أنجز الحراك أهدافه من إنهاء لمغامرة العهدة الخامسة ووقف مشروع التمديد إلى وضع أفراد العصابة التي كانت تستهدف قوت الجزائريين حيث يليق بها المقام وتخليص العدالة لتتولى القيام بمهامها الدستورية. مكاسب كبيرة وعديدة تحققت في ظل هدوء وسلمية رائعة مزجت بين الموقف والسلوك مما وفر المناخ لإعادة تقويم الوضع وتصويب الوجهة نحو بناء جزائر جديدة تستوعب المطالب والتطلعات الشعبية في بناء دولة عصرية يحكمها القانون وتسود فيها الحريات وتختفي مختلف أشكال الفساد والتسلط في الحكم. كانت الرئاسيات التي جرت في 12 ديسمبر الماضي منعرجا حاسما في تجسيد الإرادة الشعبية كونها المصدر الوحيد والأوحد لشرعية وتخليص البلاد من مرحلة كانت العصابة تخطط لها عبر أدواتها في كافة المستويات لإدخال البلاد في حالة لا استقرار وغموض من خلال ما يعرف بالخيار التأسيسي الذي يرهن مستقبل أجيال بكاملها وهو ما تفطن له الشعب الجزائري مفضلا البقاء ضمن المسار الدستوري، حتى وإن ضاق رواقه في مرحلة معينة، بمرافقة من الجيش الوطني الشعبي الذي حسم من خلال القيادة برئاسة الفريق الراحل ڤايد صالح بأن الجيش يتخندق مع الشعب انسجاما مع المرجعية التاريخية التي سطرتها ثورة أول نوفمبر. وفي المدى القريب يحقق الحراك مكسبا جوهريا من خلال مراجعة الدستور لإدراج كل التطلعات والمطالب التي تعبر عنها المجموعة الوطنية في دستور توافقي جديد ينهي بشكل دقيق وواضح كل تلك التراكمات السلبية التي حصلت في ظل نظام الحكم السابق من شخصنة للسلطة وانفراد بها واحتكار للحياة السياسية وتهميش للكفاءات وإقصاء للرأي المخالف والأكثر أهمية أيضا قطع دابر الفساد بكل أشكاله خاصة الفصل نهائيا بين المال والسياسة وإعادة المؤسسات الدستورية للإرادة الشعبية. غير أن الأمر اليوم يتطلب التفاف كل القوى الحية حول مسعى البناء في ظل قيم جزائر جديدة تترجم إرادة الشعب.