كانت الجزائر منذ الأزل إلى غاية اندلاع ثورة الفاتح نوفمبر 1954 تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من منطقة المغرب الكبير، وانتماءها الحضاري من انتماء جيرانها، الذين وللأسف دائما تتلقى الضربات منهم ـ حسب ما أفاد به المجاهد والسفير الأسبق صالح بن القبي- من منبر ضيف «الشعب»، مضيفا بأن الجزائر في دفاعها عن قضيتها كانت لا تخرج عن إطار الشمال الإفريقي متمسكة بثوابتها الإسلامية، وهذا ما جعل صدى الثورة يدوي في كل أصقاع العالم ومثال يحتذى به كل أحرار العالم.
وفي رده عن سؤالنا حول التقاعس في تدوين ذاكرة الأمة الوطنية بشكل صحيح أكد الدبلوماسي الأسبق، أن هناك أطرافا تريد طمس تاريخ الجزائر الغني بالأحداث وبطولات الشهداء بدء من 1830 لغاية الاستقلال، قائلا أن الجزائر ومنذ عصور خلت كانت ضحية أعداءها أولها الرومان الذين قضوا على تراثنا الأمازيغي الذي يتحدث عن بطولات تكفاريناس وماسينيسا ويوغرطة وغيرهم، وقاموا هم بتدوينه من منظورهم الخاص، وثانيا الاستعمار الفرنسي الذي فعل نفس الأمر واستعمل كل الأساليب لمحو هويتنا العربية الإسلامية، وبالتالي أضاف يقول أصبحنا نكتب تاريخنا بالاعتماد على شهادات ووثائق أعداءنا.
وفي هذه النقطة أبرز صالح بن القبي أهمية دراسة التاريخ كونه سلاح ذو حدين نستلهم منه العبر، ومسببات الحدث لنتفادى أخطاء المستقبل قائلا: «من ليس له ماض نجده ضعيف الشخصية، ونحن والحمد لله لدينا تاريخ جد مشرف لكنه لم يكتب بشكل صحيح»، داعيا إلى الابتعاد عن الصراعات والمتاهات التي تحاول تشويه تاريخنا، وبالتالي تعطي الفرصة لفرنسا لتشمت فينا وتزداد قوة، مشيرا إلى أن المرجع في كتابة التاريخ لاستخلاص الدروس، نجده في مؤلف عبد الرحمان بن خلدون في كتابه «ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. وقال أيضا أن الشيخ سحنون كانت له قصائد قيمة يرددها حين كان في السجن، وللأسف أن كل ما كتب أحرقته الإدارة الاستعمارية عندما كانت تقوم بتفتيش منزل الشيخ سحنون، إضافة إلى سرقة المخطوطات، ولهذا فقدت الجزائر الكثير من ذاكرتها. كما أن أستاذه وأخر عميد لجامعة الجزائر «لوتورنو» نقل كل الوثائق في مادة التاريخ الإسلامي إلى مكتبة «اكس بروفانس»، علاوة على ذلك فإن 90٪ ممن قاموا بالثورة أميون ولا يجدون كتابة مسيرتهم النضالية.
وفي معرض حديثه، نوه بن القبي بشجاعة الشعب الجزائري وعلى رأسهم سكان البادية الذين قدموا الكثير من التضحيات وصنع المعجزات إبان حرب التحرير الوطني، وكانوا مستعدين حين نادتهم جبهة التحرير الوطني للالتفاف حولها ومساندة قضيتها المشروعة وصدق في ذلك مقولة الشهيد البطل العربي بن مهيدي حين قال «القوا بالثورة للشارع يحتضنها الشعب»، دون إغفال دور الطلبة المسلمين الجزائريين الذين استشهد الكثير منهم في ساحة الوغى.
وبالمقابل، استعرض الدبلوماسي الأسبق الأساليب الجهنمية التي انتهجتها الإدارة الاستعمارية في تعذيب الجزائريين واستنطاقه خاصة المناضلين، حيث القي القبض على ثلاثة ألاف شخص في معركة الجزائر وتم رميهم في البحر، كما طبقت فرنسا سياسة الحرب النفسية وغسل الأدمغة على الجزائريين للتشكيك في الثورة والحصول على أماكن اختباء المجاهدين، مشيرا إلى أن أوج العنف الذي استعملته فرنسا كان خلال إضراب الثمانية 1957، وحسبه أن هذا العنف يعود لأسباب دبلوماسية، كون الحكومة الفرنسية كانت تخاف من أن يصل صدى الإضراب إلى الرأي العام الفرنسي والعالمي.
وأضاف بن القبي أن أية قضية عادلة ان لم تكن مدعمة بتضحيات جسام لن تكون معروفة دوليا، كما أن سبب فشل المقاومات الشعبية هو انحصارها في نطاق ضيق ولم يكن لها صدى خارجيا، كون فرنسا عزلت المقاومة من خلال احتلالها لدول الجوار، واستغلت الجزائريين للعمل في مناجمها وإقحامهم في معاركها في الهند الصينية ومع ألمانيا، لكن رغم قلة الإمكانيات قال الدبلوماسي الأسبق، إلا أن الثورة نجحت.
وثائق ومطبوعات هربت
فرنسا حاولت طمس الهوية الجزائرية
سهام بوعموشة
شوهد:877 مرة