لم تنل ولاية قسنطينة حظّها ومنذ سنوات عديدة لتتموقع كقطب سياحي بامتياز، وهذا على الرغم من توفرها على رصيد هائل من الإمكانات الطبيعية، العمرانية والثقافية التي تؤهّلها لجلب أكبر عدد من السياح والدفع بعجلة التنمية في هذا القطاع الذي وضعته الدولة ضمن أولوياتها في برامجها التنموية.
وإذا كانت استثمارات السنوات الخمس الأخيرة في دعم الولاية بسلسلة جديدة من الفنادق ذات التصنيف العالمي والأخرى التي تم ترميمها لتتطابق مع هذه المواصفات، لم تشفع لها حتى الآن بالنهوض بالجانب السياحي، فإن الكثير من النقائص لازالت تعتري هذا القطاع الهام على المستوى المحلي وتعيق الحركية السياحية وتفعيلها بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق، فقد كشفت المائدة المستديرة «فرص الاستثمار السياحي في القطب الشمالي الشرقي»، والتي نظّمتها الوكالة الوطنية لتنمية السياحة، بفندق «نوفوتيل» على هامش فعاليات الصالون الدولي للسياحة والأسفار في طبعته الثانية، والذي احتضنه قصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة، وأدارها نخبة من المختصين في القطاع، كشفت عن جملة من الانشغالات التي طرحها بعض المهتمين في إطار النقاش العام الذي تلى المداخلات التي قدمت حول عدة محاور منها:»فرص الاستثمار السياحي، ضمانات القرض في إطار الاستثمار، الامتيازات الممنوحة في الاستثمار السياحي وبورصة الجزائر كشريك في خدمة تطوير السياحة».
ومن هذه الانشغالات التي تكشف عن نقائص كثيرة تخص ولاية قسنطينة، ذكر المتدخّلون قضايا الوعاء العقاري والتوسعة العقارية وإنشاء خريطة سياحية خاصة بالمنطقة وإعادة الاعتبار للمدينة القديمة، وتفعيل الرصيد الثقافي لقسنطينة باعتبارها قطبا ثقافيا بامتياز.
وبخصوص العقار السياحي والذي يشكل الأرضية لكل مشروع اقتصادي، فإن ولاية قسنطينة تعاني من هذه المشكلة وحتى في قطاعات أخرى كقطاع البناء، حيث أدّت هذه الندرة إلى عدم الإسراع في انجاز مشاريع ذات مردودية، حيث كبح هذا المشكل إرادة بعض المستثمرين في إنشاء مرافق جديدة كحظائر التسلية التي تحتاج لإقامتها أكثر من عشر هكتارات، إضافة إلى مشاريع السياحة الثقافية والتي تحتاج هي الأخرى الى أراضي واسعة، كما أن مشكلة التوسعة العقارية للمشاريع القائمة تصطدم في اغلب الأحيان ـ وحسب المعنيّين ـ بملكية أراضي الغابات المحمية بموجب قوانين الدولة، وحسب رد ممثل وزارة السياحة و الصناعة التقليدية في هذه الندوة حول مشكلة ندرة العقار، دعا الى البحث عن الأراضي «ملك للدولة» بمعية مديرية مسح الأراضي للولاية للتغلب على المشكلة، حيث أنّ الأولوية في منح هذه الأراضي تخصص للاستثمار السياحي.
ومن النقاط التي أثيرت أيضا من خلال هذه الندوة ضرورة إعادة الاعتبار لمعالم مدينة قسنطينة القديمة، والتي تعاني كثيرا من الإهمال، حيث تركت لسنوات كثيرة دون ترميم بل أنّ الغالبية العظمى من هذه المساكن انهارت بفعل الإنسان أو الزمن، حيث كان من الأجدر المحافظة عليها كرصيد ثقافي لجلب السياح وهو المعتمد غالبا في كل الدول.
وعن الاقتراحات المقدمة لتفعيل الحركة السياحية في الولاية، إذا ما تم في المستقبل التغلب على النقائص المشار إليها أنفا، أكد احد الباحثين الجامعيين على ضرورة البحث أولا في المردودية الاقتصادية المتوخاة من الاستثمارات السياحية خاصة في ما يتعلق بدور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والاعتماد على نظام بنكي متطور واستغلال قوة الجذب السياحي كنوعية الخدمة عالية الجودة، وهي العناصر التي إذا اجتمعت سوف تؤدي الى انطلاقة سياحية ناجحة تعود بالنفع على الولاية في جميع الميادين المرتبطة بهذا القطاع، ولم لا تصنيف الولاية كقطب سياحي بامتياز؟