من نشـاط هامشي إلى ركيــزة في الاقتصــاد الوطنـي
أسهمت الرؤية الاقتصادية التي وضعها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وما تضمنه برنامج الإقلاع الاقتصادي الذي أطلقه منذ عهدته الانتخابية الأولى، في إعطاء دفع قوّي للقطاع الفلاحي، من خلال اعتماد سلسلة من التسهيلات والمساعدات لفائدة الفلاحين، لاسيما في ولايات الجنوب والجنوب الكبير، التي كانت تُعدّ حتى وقت قريب مناطق هامشية من حيث الإنتاج الزراعي.
وقد أولت السلطات العليا للبلاد اهتمامًا خاصًا بتطوير النشاط الفلاحي في هذه المناطق، بالنظر إلى ما تزخر به من مقومات طبيعية واعدة، وهو ما جعلها اليوم تساهم بفعالية في تأمين إنتاج الخضر والفواكه الموسمية وتغطية جزء معتبر من احتياجات السوق الوطنية جاء الدعم الفلاحي الذي أقرّته السلطات العليا كحلقة أخرى نحو الاقلاع الاقتصادي الرامي الى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الفلاحية، ونتيجة لهذا الاجراء، تحوّلت ولايات مثل وادي سوف، ورقلة، بسكرة، أدرار وعين صالح الى مراكز زراعية رئيسية تموّل السوق الوطنية بالخضر والفواكه الموسمية، الى جانب إنتاج الطماطم، التمور، البطاطا والقمح.
ويرى متابعون أن الدعم السخي للدولة قد مكّن الجزائر من تحقيق اكتفاء ذاتي في بعض المحاصيل الموسمية، بل وساهم في تصدير فائض الانتاج الى بعض الدول الافريقية والاوربية، وبالتالي، تدعيم خزينة الدولة بالعملة الصعبة. كما ساهم هذا التوسّع الاخضر نحو رمال الجنوب، في خلق آلاف مناصب العمل وتثبيت سكان المناطق النائية في قُراهم وقصورهم.
ومع النتائج الايجابية المحقّقة في مجال إنتاج الخضر والفواكه الموسمية بالجزائر، تحوّلت الزراعة الموسمية من مجرّد نشاط فلاحي تقليدي مُرتبط بموسم معيّن، الى اقتصاد قائم على التقنيات الحديثة في الري والتسميد والانتاج، يُساهم بشكل متزايد في الاقتصاد الوطني، شأنه في ذلك شأن باقي الصناعات الوطنية، ما يجعل منه اليوم رقماً صعباً في الاقتصاد الوطني بعد خروجه من عباءة “الفقّارة” و«التويزة”.
هذا التحوّل الكبير والنوعي في نمط إنتاج المحاصيل الفلاحية الموسمية ببلادنا، يُعدُّ ثمرة واضحة للدعم المستمر والمتابعة الحثيثة التي حظي بها الفلاحون خاصةً بولايات الجنوب، الى جانب الرؤية الاستراتيجية في استغلال إمكانيات الجنوب باعتباره –أي الجنوب- خزاناً واعداً من حيث الامكانيات البشرية وشساعة العقار الفلاحي وقُرب ولايات الجنوب من الأسواق الافريقية.
لا يختلف إثنان في كون السياسة الفلاحية التي اعتمدتها الجزائر والديناميكية الاقتصادية التي رافقتها، قد أدّت الى التوسّع في الأسواق الخارجية والحصول على موطئ قدم وراء الحدود، حيث باتت المنتجات الزراعية الجزائرية تحظى بمكانة متزايدة من حيث التنافسية والجودة، خاصةُ في الأسواق الموريتانية والافريقية.
ويعد الموقع الجغرافي للجزائر وشروع السلطات العليا في إنشاء معابر حدودية ومناطق للتبادل الحر بولايات الجنوب، آليات حقيقية لولوج السوق الافريقية أكثر من أي وقتٍ مضى، حيث أصبح تصدير الخضر والفواكه الموسمية الى موريتانيا وباقي الدول الافريقية أمراً أكثر انتظاماً، سواءً عبر المقايضة أو المبادلات التجارية الكلاسيكية.
وقد ساعدت المبادلات التجارية البينية مع دول الجوار وانخراط الجزائر في مسلسل المعارض الاقتصادية المنظّمة بين الجزائر وبعض الدول الافريقية في الترويج للمنتجات الزراعية الوطنية خاصةً في الأسواق الموريتانية، كما ساهم قانون الاستثمار الجديد واتفاقيات التعاون في تذليل العقبات الإدارية واستقطاب المستثمرين في المجال الفلاحي، وهو ما أسّس لوثبة كبيرة في الانتاج الزراعي والتوسّع في التصدير، وتُعدُّ هذه المكتسبات ثمرة تضافر جهود الدولة والفلاحين تجسيداً لأهم ركائز الاقلاع الاقتصادي الذي باتت ملامحه تلوّح في الأفق.