يشكل مشروع منتزه الاستقلال، أحد أهم المشاريع الحضرية التي تحتضنها العاصمة الجزائرية حاليا، يمتد على مسافة 4.8 كيلومترات، انطلاقًا من مقام الشهيد وصولا إلى منتزه الصابلات، ويندرج المشروع ضمن المخطط الأزرق الذي يسعى إلى إعادة ربط المدينة بواجهتها البحرية، عبر استحداث فضاءات عمومية ذات طابع سياحي وثقافي وترفيهي، في إطار رؤية شاملة لعصرنة العاصمة وتثمين معالمها الطبيعية والتاريخية، وخلق توازن عمراني يزاوج بين البيئة والعمران.
يتضمن مشروع “منتزه الاستقلال” إنشاء شرفات بانورامية تطل على خليج الجزائر، ما يمنح الزوار فرصة فريدة للاستمتاع بمناظر طبيعية خلابة في الهواء الطلق، بينما تمتد هذه الشرفات عبر مسارات مخصصة للمشاة تربط بين معالم تاريخية وثقافية بارزة على غرار فيلا عبد اللطيف، متحف الفنون الجميلة، مغارة سيرفانتيس، حديقة التجارب الحامة، والمكتبة الوطنية.
وتم اختيار هذه الوجهات بعناية لإدماج الذاكرة الثقافية للمدينة في التصميم الحضري الجديد، بحيث تتحول الزيارة إلى المنتزه إلى تجربة متكاملة تمزج بين الراحة البصرية والبعد التاريخي.
وقد أُسندت الأشغال إلى مؤسسات مختصة في الهندسة الحضرية بالتنسيق مع مكاتب دراسات وطنية، مع اعتماد تصور عمراني يولي أهمية لتكامل المسارات والمرافق، وسهولة تنقل الزوار، ودمج المعالم القديمة ضمن نسيج حضري عصري.
وتشمل الأشغال أيضًا تهيئة البنية التحتية للموقع، بما في ذلك تهيئة التربة، تركيب دعائم الشرفات، وإنجاز أرصفة مقاومة للعوامل المناخية، إلى جانب تخصيص فضاءات خضراء تتماشى مع خصوصيات البيئة المتوسطية.
لم يغفل المشروع الجوانب التقنية، إذ يجري تنفيذ شبكة إنارة ذكية تعتمد على أعمدة LED موزعة بعناية على طول المسارات لضمان الإنارة الفعالة ليلا، مع توفير حلول بيئية مستدامة تتعلق بريّ المساحات الخضراء واستعمال المياه المعالجة.
كما تمت برمجة تجهيزات حضرية حديثة لتوفير راحة أكبر للزوار، منها مقاعد، حواجز أمان، ونقاط مراقبة، فضلا عن ضمان تهيئة شاملة للسلالم والممرات القديمة لتتكامل مع المسار العام للمنتزه.
وفي هذا الإطار، أسدى والي ولاية الجزائر، محمد عبد النور رابحي، خلال تفقده لوتيرة إنجاز المشروع، سلسلة من التوجيهات الدقيقة لضمان سير الأشغال في أفضل الظروف، أهمها ضرورة ربط الشرفات الثلاث بطريقة متناغمة وجمالية مع تزيينها بالنباتات التجميلية، ودراسة إمكانية توسعة الرصيف المخصص للمشاة لتحسين شروط التنقل.
وشدد على ضرورة استعمال مواد بناء ذات جودة عالية، وتنصيب أعمدة إنارة حديثة بالتنسيق مع المؤسسة الولائية للإنارة العمومية، والإسراع في تهيئة المباني القديمة الواقعة على طول شارع محمد بلوزداد لدمجها عمرانيا في الفضاء الجديد، إلى جانب إعادة تأهيل السلالم المتواجدة في المنطقة واستغلالها كعناصر بنيوية تخدم التصميم العام للمنتزه.
ويجري تنفيذ المشروع تحت متابعة دقيقة من السلطات الولائية التي تشرف على التنسيق بين مختلف المتدخلين، بما في ذلك المدراء التنفيذيون، مكاتب الدراسات، مؤسسات الإنجاز، والمنتخبون المحليون، في مسعى لضمان احترام آجال الإنجاز ومطابقة المشروع لتطلعات السكان.
وينتظر أن يتحول منتزه الاستقلال بعد اكتماله إلى نقطة جذب سياحي وثقافي مهمة تعيد بعث صورة العاصمة الجزائرية كمدينة متوسطية منفتحة على بحرها وتاريخها، وتمنح سكانها وزوارها فضاء حضريا ومتنفسا يعكس الانسجام بين التراث والطبيعة.