ملف تلميع أو إعادة بعث وترميم القصبة يتراوح حاليا بين جهتين، الأولى للمهندس المعماري الفرنسي جون نوفال والثانية مبادرة الكوبيّين بناءً على ما تمّ تسجيله منذ إبرام الاتفاقية الثلاثية يوم 18 ديسمبر 2018 بين ولاية الجزائر ومقاطعة إيل دوفرانس والورشات المذكورة سالفا، ويوم 14 ماي 2019 بين وزارة الثّقافة وسفيرة كوبا بالجزائر كلارا مارغريتا بوليدو إسكوديل حول الاستفادة من الخبرة الكوبية في عملية ترميم قصبة الجزائر.
أي في فترة 6 أشهر، وقف المتتبّعون لشأن هذا الصّرح الحضاري والثّقافي المصنّف كتراث عالمي حائرين على ما وقع من تداخل غير مفهوم أدّى إلى اعتقاد الكثير بأنّ «المشروع» سحب من جون نوفال وأعطي للكوبيّين، إلا أن مسؤولة بخلية الاتصال بوزارة الثقافة نفت ذلك، مشيرة الى أنّ إلغاء العمل مع المهندس الفرنسي ليس من صلاحيات الوصاية بتاتا، غير أنّ غياب تفاصيل دقيقة عن هذا الخيار الثاني المتعلّق بالكوبيّين رسخ في ذهنية المعنيّين بأن الصّفقة حسم فيها، وأن جون نوفال أبعد بصفة نهائية من هذا النشاط، وإلى غاية يومنا هذا لا يوجد مصدر مطلع يؤكّد ذلك، في الوقت الذي يعتبر فيه الاختصاصيّون بأنّ هناك العديد من نقاط الظل، وغموض يكتنف هذا المسعى مما أدى الى كل هذه «اللخبطة»، ولم تتّضح المهام المخوّلة لكل طرف، جون نوفال يتحدث عن التلميع أو إعادة البعث ويعني بالفرنسية Revitaliser ولم يشر أبدا في كلامه الى الترميم
Réfection أو
Restauration في حين أن بيان وزارة الثقافة استعمل مصطلح الترميم.
هذه المفاهيم المستعملة في العمران لها دلالة قوية، لذلك فإن الاتفاق بين ولاية الجزائر وإيل دوفرانس وورشات جون نوفال أثار احتجاج حوالي ٤٠٠ شخص من أهل القطاع،
طالبوا هذا الأخير بالانسحاب فورا من المشروع وعدم المساس بهذا الإرث، وقد وردت هذه الدعوة في عريضة بالصحافة الفرنسية، كما تعالت الأصوات من الداخل مناشدة إياه بالابتعاد عن القصبة خوفا من تشويه واجهتها، ولم يتوان هؤلاء في التشديد على إسناد هذه المهمة الى الكفاءات الجزائرية ذات المهارات العالية في هذا العمل.
وأمام هذا الصّمت المطبّق ولرفع كل لبس، عادت ولاية الجزائر ثانية إلى «حلبة» النّقاش الحاد والسّاخن لتوضّح بأنّ جون نوفال سيرافق مصالح الولاية مع إسداء الأفكار والنّصائح في مسألة إعادة إحياء القصبة، كما أسندت له مهمة المستشار لدى الولاية قصد تنسيق أشغال إعادة تهيئة خليج الجزائر الممتد من الجامع الأكبر إلى القصبة السفلى.
واستنادا إلى الأرقام المعروضة حول وجود ١٤ مكتب دراسات و١٧ مقاولة و٢٠٠ جامعي من بينهم مهندسون، معماريّون وتقنيّون سامون و١٢٠٠ عامل مؤهّل، فإنّ الواقع يدحض هذا، فالزائر لهذا الموقع لا يلاحظ وجود هذه الأعداد الهائلة من المؤسّسات والأشخاص..وتيرة الأشغال بطيئة جدا.
جون نوفال لم يلتزم السّكوت بل ردّ على منتقديه في وثيقة توضيحية لوكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ ١٥ فيفري ٢٠١٩، أراد فيها تبرير مقاربته بهذا الشأن، متعهّدا بإيداع خلاصة أعمال ورشته لدى الجهات المعنية، ويجهل إلى غاية اليوم إن كان ملتزما بذلك استنادا الى السكوت التام عن هذا الملف عقب التغييرات في إدارة شؤون ولاية الجزائر، أي ذهاب زوخ وإحلال محلّه صيودة.
وضمنيا فإنّ جون نوفال يرفض التخلي عن هذا المشروع مثلما طالبه بذلك أصحاب العريضة الموقّعة من قبل مهندسين ومعماريّين جزائريّين وفرنسيّين، مبرّرا ذلك في بإقامته لورشتين، الأولى في الجزائر والثانية في باريس بتعداد ما بين ٥ و٦ أشخاص في كل مدينة قصد عرض الأعمال المنجزة في بداية الصيف، هل فعلا أنجز هذا المهندس الفرنسي ما طلب منه بعد حوالي ٨ أشهر من تكليفه بهذا العمل؟
واستنادا إلى خبراء مطلعين، فإن كوبا تحوز على تجربة رائدة في تقنيات الترميم، انطلقت من مدينة هافانا القديمة بـ ٣٠٠٠ بناية عبر ٢٠٠ هكتار تحت إشراف «أوفيسيتا دال هيستوريا دور»، هذا الديوان هو الذي يسيّر كل التّراث العمراني بطريقة عقلانية وهادئة، لم تشوّش عليه مؤسسات أخرى في العمل سواء التابعة للوصاية وزارة الثقافة او المصالح المحلية أو جمعيات، وهكذا حافظت هافانا على طابعها الأصلي بإعادة بعث العمران المتواجد من قصور، كنائس، ثكنات، إقامات، عمارات بالرغم من المحاولات الرّامية إلى إعادة بنائها على طريقة المدن الأمريكية القريبة منها.