في قلب ولاية الجلفة، تمثّل قهوة «الفرارة» رمزا للتراث وعبقا للماضي، تجذب كل من يشربها وتأخذه في رحلة إلى عالم من النكهات والأصالة.
تعود أصول هذه القهوة حسبما ذكره الشيخ «سالم» إلى العهد العثماني، حيث كانت قهوة «المخلطة» المشابهة لها هي السائدة في ولاية الجلفة، وهي الآن جزء لا يتجزأ من الثقافة الشعبية في الجلفة، وتتواجد في معظم مقاهيها الشعبية وحتى العصرية. كما تحتفظ «الفرارة» بمكانة خاصة بين أهالي المنطقة، كما يوضح أحمد حسان، ممثل مسرحي، قائلا: «الفرارة مشروب شعبي يعكس تقاليدنا وهويتنا، ولا تنافسه أي قهوة أخرى».
تشهد «الفرارة» إقبالا كبيرا لا سيما في مقاهي وسط المدينة مثل مقهى حلفاية، الذي يقصده قدماء فريق كرة القدم بالجلفة لتناول «الفرارة» والحديث عن الماضي، ومقهى «اسكندر» المقابل لمؤسسة توزيع الكهرباء والغاز، والذي يديره عبد القادر الذي ورثه عن والده. يروي عبد القادر، وهو شاب ورث مزاولة تحضير «الفرارة» عن والده الشيخ دحمان وعمه السعيد، أنهما كانا يزاولان المهنة في «قهوة الكلوة» خلال فترة السبعينيات.
مقهى «إسكندر» كان بوسط المدينة وكان مع»مقهى لعروسي» يمثلان ملتقى ثقافيا رياضيا، حيث يجتمع الناس من مختلف الفئات الاجتماعية لتناول القهوة ومناقشة القضايا المحلية والسياسية والرياضية، كما كانا ملتقى للمسافرين والزوار، ثم تغير المحل وتم فتحه بجوار مسجد معطار، وكان عبد القادر مع والده في المقهى يزاول بيع قهوة الفرارة منذ سنة 2002. يقول عبد القادر: «إن ما يميز قهوة الفرارة نكهتها الخاصة، حيث يتناولها الناس البسطاء والفقراء والمحتاجون مجانا، ويتناولها جميع شرائح المجتمع، هي قهوة صحية..نستخدم الآن نوعين منها قهوة فيتنام وروبيستا، نقوم بتحميصها ثم رحيها».
ويواصل عبد القادر قائلا: «الفرارة جمالها في بهائها، ويطلق عليها «فرارة مباشية» وتعني الرغوة التي فوق الفنجان، ولها نكهة خاصة..كانت تحضر في السابق على الجمر فقط، إلى غاية سنوات التسعينيات، حيث توقف الناس عن جلب الحطب، ومن ثم لم يعد استخدام الجمر ممكنا، لكنها عادت بقوة بحكم أن المنطقة ورثت هذا التقليد منذ الستينيات، واليوم معظم الشباب يتناولونها كجزء من تراث تتناقله الأجيال».
ويوضّح عبد القادر كيف تحضر هذه القهوة، فيقول: «يتم تحضير القهوة بطريقة تقليدية باستخدام «الجيجوة»، وهو إناء خاص، وتضاف القهوة المطحونة بطريقة خاصة أولا، ثم السكر، وبعدها يسكب الماء الساخن. ويتم تحضيرها بسرعة على الجمر، مما يجعلها خيارا مفضلا لدى الزبائن. وهناك من الزبائن من يفضل إضافة الشيح أو القرفة أو الهيل لتعزيز النكهة».
يقول الشيخ «سالم» وهو أحد عشاق «الفرارة» «عندما تطلب قهوة الفرارة لابد أن توضح له كيف تريدها، لأن طرق تحضيرها مختلفة، فيها «شعرة» بدون سكر، ونص نص ناقصة سكر، وعادية حلوة».
وتعد قهوة «الفرارة» أيضا رمزا تراثيا، حيث شهدت استمرارا ملحوظا رغم التغيرات الزمنية، وما تزال قهوة «الفرارة» بفضل شباب الجلفة الذين يحافظون على هذه التقاليد، ماثلة كرمز للأصالة والضيافة في الجلفة، متجاوزة الزمن لتجمع بين الماضي والحاضر في فنجان واحد.