من بيت الشيخ تواتي بن مبارك ببسكرة

«بوطبيلة» لإيقاظ الصائمين للسّحور في الزيبان

بسكرة: عمر بن سعيد

رسالة ابن باديس تبرز دور مسجد عقبة في المحافظة على الهوّية

الشيخ تواتي بن مبارك، إمام خطيب مسجد عقبة بن نافع سابقا، مثقف مهووس بتاريخ عقبة بن نافع، يقرأ ويبحث في أرشيفه الغني يوميا، رغم تقدّمه في السن، وصحته المثقلة يبقى يحتكم بلياقة ذهنية متوهّجة، فتح قلبه وذكرياته دون تحفظ لـ «الشعب» التي زارته في ليلة رمضانية مؤنسة.
وعن استقبال شهر رمضان والإعلان عن رؤية هلاله، قال الشيخ تواتي، إن له ميزة خاصة بسيدي عقبة مختلفة عن بقية المناطق المجاورة، لوجود معادلة تعتمد على ثنائية الإعلان بين قاضي البلدة الشرعي وإمام مسجد عقبة بن نافع دون أن يكون هناك تضارب، فالقاضي يعلن رؤية الهلال بينما يصدر عن إمام المسجد إعلان قدوم شهر الصيام بصفة رسمية، ويتم تتبع رؤية الهلال بالعين المجردّة، يعتبر العقون بن جدّية الأبكم من أشهر متتبعي الهلال، لتمتعه ببصر حاد جعلته يحوز على ثقة إمام المسجد وقاضي البلدة.
 بعد الإعلان المشترك يتم إعلام السكان بقدوم رمضان عن طريق «بوطبيلة» أو ما يعرف عند المشارقة بـ»المسحراتي».

 بوطبيلة امتداد عائلة «بن شلاي»
كانت حرفة الطبل الرمضاني بسيدي عقبة محصورة في عائلة «بن شلاي» وأبناءه، حيث يستعد بوطبيلة بعد إعلانه قدوم رمضان بإعلان وقت السحور يوميا عبر مختلف حواري البلدة، ما جعل السكان يعتمدون عليه في إيقاظهم بالضرب على الطبل أثناء تجواله ليلا بين الأحياء، و»بوطبيلة» موجودة في كل مناطق الزيبان، وقد تختلف طريقة التعامل معه بين بلدة وأخرى، ففي سيدي عقبة يعلم الناس ببدء الصيام والسحور، بينما تقتصر مهمته في بقية المناطق على فترة السحور لأن إعلان رؤية الهلال لا يتم في معظم الزيبان بالطريقة التي تتبعها سيدي عقبة.
يتميز رمضان بتضامن واسع بين سكان كل حارة على حدا وكل شخص مقتدر يتضامن مع أقاربه وجيرانه بمعنى، ألا جوع ولا احتياج خلال الشهر الفضيل، حيث يحضر بعض السكان الفطور أو السحور الجماعي يشارك فيه الجيران والأقارب المقتدرين، تدخل في تحضيراته الأطباق التقليدية المعروفة التي لا يغيب عنها التمر بكل أنواعه من الغرس إلى دقلة نور واللّبن المشتق من حليب الماعز.
ثاني أيام عيد الفطر، يعود بوطبيلة نهارا الى تجواله بحواري البلدة، لكن هذه المرة لتلقي مستحقاته مقابل خدماته في ليالي رمضان، وتكون المستحقات في غالبيتها مواد غذائية من تمر وقمح وغيرها أما النقود فنادرا ما يتحصل عليها.

وقراءات صوفية بمسجد عقبة

قال الشيخ التواتي، إن المنطقة تعرف احتفالات خاصة بذكرى استشهاد عقبة تبدأ شهر أوت وتنتهي في سبتمبر، لتختتم في الخريف بجني التمور حيث تقام موائد للأكل وتلتزم كل منزل مقتدر بإخراج مثرد وعشرة اجتزاء من اللّحم تطرح للعامة بمسجد سيدي عقبة، وأهم ما يميّز سيدي عقبة في تلك الفترة البعيدة تنظيم قراءات سيدي لعروسي العالم الصوفي، والتي تقام في فصل الشتاء ليلتي الخميس والجمعة وتنتهي بقدوم فصل الربيع، وبحسب الشيخ تواتي فإن هذا العالم الصوفي القادم من الصحراء الغربية، كانت له مكانة كبيرة في نفوس سكان سيدي عقبة حيث تخصّص نخلات وقف باسمه يعود محصولها على الفقراء.

 ابن باديس ومدرّس القرآن

ونحن نتبادل أطراف الحديث مع الشيخ لفت انتباهنا ورقة موضوعة على الطاولة، قال الشيخ إنها رسالة من الشيخ عبد الحميد بن باديس، أرسلت إلى والد الشيخ وإمام مسجد عقبة قبل تأسيس جمعية العلماء يطلب فيها ابن باديس حاجته إلى معلّم قرآن من تلاميذ مسجد عقبة ونص الرسالة المؤرخة في أوت 1918 ومما جاء فيها».
إلى الفقيه الثقة أخينا السيد الهاشمي بن المبارك بارك الله فيك أمينسلام عليك ورحمة الله وبركاته،وبعد فإنني احتجت إلى معلّم صبيان يحفّظ أولادنا القرآن فوقع اختياري على طلبة سيدي عقبة لما رأيت فيهم من علامة الخير فاطلب أن تختار لنا واحدا منهم.»
وفي ذات الإطار اعتبر الشيخ نص الرسالة شهادة تاريخية تبرز أهمية مسجد عقبة، ودوره في التعليم والمحافظة على مقوّمات الشعب الجزائري في مقدمتها اللّغة العربية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19708

العدد 19708

الإثنين 24 فيفري 2025
العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025
العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025