جاءت الأسابيع الأولى من شهر ديسمبر طويلة بالنسبة للأوساط الرياضية الجزائرية والرأي العام بشكل عام حيث كان، مستقبل الدورة التاسعة عشرة من ألعاب البحر الأبيض المتوسط لوهران 2022، على المحك، بسبب مناورات بعض الأطراف الحاقدة على الجزائر لإقناع اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط بالتراجع عن إسناد مدينة وهران شرف تنظيم الطبعة المقبلة للألعاب، وهي المناورات التي باءت بالفشل.
ونجحت السلطات العمومية واللجنة المنظمة للألعاب في مواجهة هذا التحدي الذي ميز الساحة الرياضية الوطنية، وتمكنت من إسكات الألسنة السيئة التي حاولت تشويه سمعة الجزائر لدى الهيئات الرياضية الدولية، بما أن التظاهرة المتوسطية ستقام في موعدها ومكانها المحددين سلفا أي ما بين 25 جوان و 5 جويلية 2022 بوهران.
واعتبارًا من تاريخ 25 جوان وبمناسبة بدء العد التنازلي لحدث البحر الأبيض المتوسط ضبطت وهران الباهية عقارب ساعتها على التوقيت المتوسطي، حيث تم الاحتفال ببقاء عام واحد عن موعد التظاهرة الرياضية بتنظيم أنشطة رياضية وثقافية في عاصمة غرب البلاد للاحتفال بالحدث. ومنذ ذلك الحين تجند الجميع في المدينة لاجتياز الاختبار بنجاح.
لكن بعض الأطراف المناوئة من خارج البلاد لم يعجبها هذا التجند فسارعت إلى محاولة إفساد الفرحة، من خلال تكثيف جهودها لمحاولة تشويه سمعة البلاد لدى الهيئات الرياضية الدولية، وعلى رأسها اللجنة الدولية للألعاب المتوسطية، وذلك في حلقة جديدة من مسلسل الحملات التي تحيكها تلك الأطراف في الآونة الأخيرة وعلى جميع الأصعدة ضد الجزائر المضيفة للألعاب.
وسعى المناوئون لاستغلال بعض أوجه القصور في استكمال بعض الهياكل التابعة للمركب الرياضي قيد الإنشاء في بلدية بئر الجير (شرق وهران)، للتآمر بطريقتهم الخاصة على الجزائر من خلال نشر تقارير ‘’زائفة’’ عبر مواقع التواصل الاجتماعي أريد بها إلحاق الضرر بصورة البلاد لدى الهيئة الدولية، مثلما أشار إليه وزير الشباب والرياضة عبد الرزاق سبقاق في زيارة سابقة إلى وهران.
ونتيجة ذلك التكالب كادت الهيئة الدولية مالكة الألعاب المتوسطية ان تنج وراء المغالطات فكانت سريعة في الرد ببيان صحفي أعربت فيه بوضوح عن مخاوفها بشأن التأخير في استكمال الهياكل الرياضية المعنية بالتظاهرة.
كما لم تتردد نفس الهيئة في التشكيك في تنظيم الطبعة التاسعة عشرة بوهران، الأمر الذي أسعد كثيرا «مهندسي» المخطط المذكور.
إحباط المؤامرة
لكن عزيمة السلطات العمومية وتصميمها، بعدما جعلت من احتضان النسخة المقبلة للألعاب المتوسطية مسألة شرف، أبطلت كل المناورات، حيث سارع الجانب الجزائري بالرد بقوة، مستغلا ندوة رؤساء الوفود والمندوبين الفنيين للاتحادات الرياضية الدولية المعنية بالألعاب، التي عقدت في وهران يومي 11 و 12 ديسمبر، لإزالة كل الأكاذيب التي رددها المنتقدون والمناوئون.
وجاء اليوم الثاني من الندوة ليسجل الفشل الرسمي للمخطط، وهو الفشل الذي أعلنه النائب الثاني لرئيس اللجنة الدولية للألعاب المتوسطية، الفرنسي برنارد أمسالم، في ندوة صحفية وضع من خلالها حدًا للجدل بإعلانه عن الإبقاء على ألعاب البحر الأبيض المتوسط في وهران من 25 جوان إلى 5 جويلية 2022. فبالنسبة للنائب الثاني لرئيس اللجنة الدولية، الشكوك تبددت أخيرًا بقوله: «الواقع كانت لدينا بعض المخاوف، لكنها زالت جميعها الآن».
كما اعترف أمسالم إنه تم تجاوز شوط هام في التحضيرات، مما يسمح بإقامة الألعاب في ظروف جيدة، مضيفا ان «الموعد سيكون حدثا رياضيا تاريخيا لمدينة وهران والبلاد بشكل عام».
وإذ اطمأن وزملائه من المكتب التنفيذي للجنة الدولية الذين رافقوه إلى وهران لسير التحضيرات، فإن ذلك يعود إلى القرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطات العليا في البلاد بهدف تعزيز الاستعدادات للألعاب المتوسطية، خاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية الرياضية.
نفس جديد للمشاريع الرياضية
في هذا السياق، قام الوزير الأول، وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن بزيارة إلى وهران في 4 أكتوبر المنصرم، اطلع خلالها عن قرب عن مدى تقدم أشغال إنجاز المرافق الرياضية المختلفة. وسمحت هذه الزيارة على وجه الخصوص بإعطاء زخم جديد للمواقع المعنية، لاسيما أنه سبقها تخصيص غلاف مالي بقيمة 4، 2 مليار دينار للمشاريع المعطلة بعد اجتماع لجنة المتابعة التي شكلها الوزير الأول خلال اجتماعها المنعقد في 8 سبتمبر.
وأثمرت هذه الخطوة بسرعة من خلال إزالة جميع العراقيل التي أعاقت سير الورشات، لا سيما على مستوى المركز المائي الذي يحتوي على ثلاثة أحواض والقاعة متعددة الرياضات، وكلاهما تابعان للمركب الرياضي الجديد، الذي احتضن ملعبه الرئيسي لكرة القدم (40 ألف مقعد) أول مباراة عندما استضاف في جوان الماضي لقاء وديا للمنتخب الوطني للمحليين أمام نظيره لليبيري (5-1).
وخلال الندوة التي عُقدت في 11 و 12 ديسمبر، أعرب ضيوف وهران عن سعادتهم بالتقدم المحرز في الاستعدادات لألعاب البحر الأبيض المتوسط، لدرجة أن مندوب اللجنة الأولمبية لإمارة موناكو قال في تصريح لواج أن «الجزائر رفعت سقف تحضيراتها عاليا مقارنة بالدورات السابقة للألعاب».
كما استغل والي وهران، سعيد سعيود، الذي يعتبر أيضا النائب الأول لرئيس لجنة تنظيم الألعاب المتوسطية، هذه الندوة لطمأنة أعضاء اللجنة الدولية، مؤكدًا أن جميع المنشآت الرياضية قد اكتملت تقريبًا وأنه سيتم استلام ما تبقى منها نهاية جانفي المقبل.
وتسارعت وتيرة العمل بشكل ملحوظ منذ قرابة شهرين، من خلال توفير التمويل اللازم، وإثبات حسن نوايا الدولة لإنجاح هذه الألعاب في أفضل الظروف، كما شدد عليه الوالي، مؤكدا أن ما لا يقل عن 90 بالمائة من البنى التحتية الرياضية المعنية بالألعاب جاهزة بالفعل.
وهكذا اختتم منظمو الألعاب، التي ستستضيفها الجزائر للمرة الثانية في تاريخها بعد نسخة 1975، بانطباع جيد للغاية بعد اجتيازهم لاختبار اللجنة الدولية لألعاب البحر الأبيض المتوسط بنجاح باهر.
غير انه يتعين الآن المرور إلى مرحلة جديدة في التحضيرات، وفق المحافظ الجديد للألعاب، محمد عزيز درواز، المعين في هذا المنصب في بداية أكتوبر الماضي، حيث قال في اختتام الندوة المذكورة: «التحدي الذي نواجهه ومهمتنا الرئيسية هو أن تنعقد التظاهرة الرياضية المتوسطية في أفضل الظروف، استجابة لتطلعات الشعب الجزائري والتطلعات المعبر عنها على أعلى مستوى في الدولة».