شرّف المنتخب المحلي الكرة الجزائرية بافتكاكه التاج العربي في موعد الدوحة بقطر، حيث نجح أشبال المدرب بوقرة في الظفر بالكأس الغالية بعد مشقة وتعب كبيرين خلال ست مباريات كاملة فازوا في خمس منها، وتعادلوا في مواجهة واحدة أمام منتخب مصر. كان الانجاز على قدر الاستقبال الفخم والأسطوري الذي حظي به المنتخب المحلي بعد عودته للجزائر، حيث عمّت الأفراح كل ربوع وطن يستنفس كرة القدم.
نجح المنتخب المحلي في تحقيق مشاركة تاريخية في كأس العرب «فيفا – قطر – 2021»، وهو الذي عاد بالتاج مظفرا بعد مجهودات مضنية طيلة 20 يوما من المنافسة، نجح خلالها في الخروج منتصرا في جميع المباريات. وهنا لا يجب النظر فقط إلى نتيجة المباراة ولكن الانتصار الحقيقي هو الروح العالية التي أبان عنها اللاعبون في كل مباريات البطولة، حيث كان واضحا أنهم عقدوا العزم على التتويج باللقب من أول مباراة لعبوها أمام منتخب السودان الذي فازوا عليه برباعية كاملة.
العمل والاجتهاد هما سرا النجاح، ومن يعمل سينجح عاجلا أم آجلا، وهو ما ينعكس على المنتخب المحلي الذي قطف ثمار عمل شاق وكبير طيلة الفترة الماضية من التحضير النفسي، الفني والبدني للاعبين ليكونوا في الموعد. وبالفعل كانوا كذلك، حيث لم يبخلوا بأي قطرة عرق في سبيل رفع راية الجزائر في هذا المحفل الكروي العربي الكبير.
كان المنتخب المحلي متواجدا في دائرة الترشيحات قبل انطلاق البطولة من أجل المنافسة على اللقب العربي رفقة العديد من المنتخبات، إلا أنه الوحيد الذي نجح في تأكيد أحقيته بالتواجد على رأس قائمة الترشيحات بالنظر إلى المستوى الكبير والمميز الذي قدمه طيلة مباريات البطولة أمام منتخبات قوية، وتمتلك لاعبين من أعلى مستوى، إلا أن عزيمة وإصرار رفقاء سعيود صنعت الفارق، مؤكدين على علو كعبهم.
حظي المنتخب المحلي بعد عودته إلى الجزائر باستقبال رسمي وشعبي كبيرين، أكدا أهمية اللقب الذي تم تحقيقه في قطر ومدى انعكاسه الايجابي الكبير على الكرة الجزائرية، حيث كان الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن على رأس المستقبلين في مطار هواري بومدين الدولي رفقة كبار المسؤولين في الدولة.
وأقام رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حفلا على شرف المنتخب المحلي في قصر الشعب، وهو ما يعكس اهتمامه الكبير بكرة القدم وتقديره للإنجازات التي يحققها الرياضيون الذين يقومون بتشريف الكرة الجزائرية في المحافل الدولية، حيث تم خلال هذا الحفل تكريم كل اللاعبين وأعضاء الطاقمين الفني والطبي الإداري، عرفانا بالمجهودات الكبيرة التي بذلوها في تحضير اللاعبين من جميع النواحي ليكونوا في الموعد خلال هذا الحدث الرياضي العربي الكبير.
تكريم الرئيس تبون لبعثة المنتخب المحلي بنفسه لم يكن اعتباطيا وإنما يحمل في طياته الكثير من الرسائل، والتي يبقى أهمها ضرورة رفع الراية الوطنية في أي محفل رياضي، ويجب أن تتصدر الرايات الأخرى من خلال المنافسة الشريفة، وتكريس ثقافة الرغبة في الفوز لدى الجميع وتفادي الحديث عن دخول المنافسات الرياضية من أجل المشاركة فقط، وإنما من أجل الفوز والوصول إلى الريادة.
اللاعبون من جهتهم رفقة أعضاء الطاقمين الفني والإداري أبدوا سعادة كبيرة بالتكريم الذي حظيوا به من طرف رئيس الجمهورية وزادهم هذا الأمر إصرارا وعزيمة على مواصلة درب الانتصارات والانجازات من خلال المنافسة بقوة على اللقب القاري في كأس أمم إفريقيا بالكاميرون التي ستجري مطلع السنة المقبلة.
ومن شأن الظفر بتكريم من طرف الرئيس سيمنح اللاعبين دفعة معنوية كبيرة خلال الفترة المقبلة ويرفع من معنوياتهم كثيرا، ويزيد من ثقتهم في إمكانياتهم من أجل منح المزيد للمنتخب الوطني في كأس أمم إفريقيا بما أن أشبال بلماضي سيكونون مطالبين بالحفاظ على اللقب القاري خلال الدورة المقبلة بالرغم من أن المأمورية لن تكون سهلة مع المنافسة الكبيرة التي يتوقّع أن يواجهوها من طرف أكبر المنتخبات في إفريقيا، والتي تسعى بكل جهدها من أجل الإطاحة «بالخضر» ودخول التاريخ من أوسع الأبواب.
من الشّعب وإلى الشّعب
«نحن من الشعب والشعب منّا»، بهذه العبارة وصف اللاّعبون الاستقبال الأسطوري الذي حظيوا به من طرف الشعب الجزائري تزامنا مع وصولهم ارض الوطن، حيث أبى عدد كبير من المواطنين من كل الفئات إلا أن يخرجوا إلى الشوارع ورسم صورة رائعة ستبقى راسخة في أذهان الجميع حول أهمية كرة القدم وقيمة الانتصارات، ومدى تأثيرها الايجابي على معنويات الشعب، الذي لا يرضى إلا بالفوز والانتصار مهما كانت الصعوبات والعراقيل.
عقب وصول اللاعبين إلى المطار تمّ تخصيص حافلة مكشوفة طافت بهم مختلف شوارع العاصمة، وعلى الرغم من البرودة الشديدة التي تعرفها العاصمة ليلا في هذه الفترة من السنة، إلا أن هذا الأمر لم يمنع الآلاف من الخروج والاصطفاف على حواف الشوارع والطرقات التي مرت منها الحافلة المكشوفة التي كانت تقل عناصر المنتخب المحلي من أجل تحية اللاعبين وأعضاء الجهازين الفني والإداري على الانجاز التاريخي الذي حققوه من خلال العودة بلقب كأس العرب من العاصمة القطرية الدوحة.
وتعالت الصيحات والهتافات في كل شوارع العاصمة (وفي جميع أرجاء البلاد)، فكانت ليلة خرافية ستبقى راسخة في أذهان اللاعبين، الذين لا يمكن أن يكونوا قد تخيلوا أو توقعوا أن يكون الاستقبال بهذه الطريقة الأسطورية والخيالية، حيث نجح كل من خرج لتحية اللاعبين في رسم البهجة على محياهم، وهم الذين منحوا كل ما لديهم خلال المباريات الست التي لعبوها من أجل تحقيق الفوز ورفع الراية الوطنية من خلال مواصلة السباق من دور إلى غاية الوصول إلى المباراة النهائية التي فازوا بها على حساب تونس بثنائية نظيفة.
الأعداد الغفيرة من جموع الشعب التي كانت حاضرة في شوارع وطرقات العاصمة هتفت بكلمة واحدة «أنتم منّا ونحن منكم وأينما ذهبتم سنقف خلفكم لتحقيق أهدافكم»، هذه العبارات التي أفرحت اللاعبين ومنحتهم صورة بسيطة على الحب الكبير الذي يكنه الشعب الجزائري للمنتخب الوطني، وهو الأمر الذي سيزيد من عزيمتهم لا محالة في المواصلة من أجل النجاح في الاستحقاقات المقبلة.
كانوا من مختلف الأعمار كبارا وصغار رجالا ونساء اتفقوا على حب الوطن وكل من يرفع رايته عالية، حيث زاد إنجاز المنتخب المحلي بإعزاز وفخر كل فئات المجتمع التي فرحت لهذا الانجاز التاريخي، وتفاعلت معه بكل جوارحها من خلال دعم وتشجيع اللاعبين قبل كل مباراة، وبالرغم من أن التنقل إلى قطر لتشجيع اللاعبين من الملعب لم يكن متاحا للجميع، إلا أن الكثير من أطياف المجتمع الجزائري اختاروا وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التعبير عن دعم و مساندة المنتخب المحلي خلال مشواره في مباريات كأس العرب.
بالإرادة كل شيء يهون
لم يكن مشوار المنتخب المحلي سهلا في كأس العرب التي جرت في قطر، حيث كان اللاعبون على موعد مع مباريات شاقة ومرهقة ومتعبة، لكن بالإرادة والعزيمة كل شيء يهون أمام لاعبي المنتخب المحلي الذين رفعوا التحدي في أصعب الظروف وخالفوا كل التوقعات، حيث مرّوا من مرحلة إلى أخرى إلى غاية الوصول للنهائي الذي حسموه بجدارة واستحقاق أمام منتخب تونس.
لعب المنتخب المحلي خلال الدور الأول أمام السودان في أولى المواجهات وفاز بنتيجة عريضة، حيث انتهت المواجهة بفوز رفقاء بونجاح بأربعة أهداف كاملة، وهي النتيجة التي كانت تمثل جرس إنذار بالنسبة لكل المنتخبات الأخرى من أن المنتخب المحلي جاء إلى الدوحة من أجل التتويج باللقب، ولم يأت من أجل المشاركة فقط، حيث فهم كل المنافسين الرسالة جيدا بعد نهاية البطولة.
المواجهة الثانية كانت أصعب من الأولى، خاصة أن المنتخب المحلي واجه منتخب لبنان المنظم جيدا من الناحية الدفاعية، حيث شكل هذا الأمر صعوبات كبيرة للاعبي المنتخب المحلي، ونجحوا بعد جهد كبير في اختراق الدفاع اللبناني وسجلوا هدفين عن طريق براهيمي ومزياني.
المباراة الثالثة كانت «ديربي» أمام «الفراعنة»، وكان الصراع فيها على أشده على المركز الأول، حيث انتهت المواجهة بالتعادل الايجابي هدف في كل شبكة وواجه المنتخب المحلي منتخب مصر الأول الذي كان ينقصه نجم ليفربول محمد صلاح فقط، لكن على الرغم من ذلك نجح في الحفاظ على سجله خاليا من الهزائم، وأنهى المواجهة متعادلا.
ضياع صدارة المجموعة جعل المنتخب المحلي يواجه نظيره المغربي، حيث كانت عزيمة وإصرار اللاعبين كبيرة من أجل الفوز، ولعبوا مباراة كبيرة كانت الأفضل في الدورة من حيث المستوى الفني بعد مواجهة النهائي أمام تونس، ومع أن المباراة انتهت في الوقت الأصلي والإضافي بالتعادل الايجابي، إلا أن الحارس مبولحي كان في الموعد، واستطاع حسم ركلات الجزاء لصالح المنتخب المحلي الذي تأهل إلى نصف النهائي بعد ذلك، وأقصى منتخب المغرب الذي كان في بداية البطولة المرشح الأول للفوز باللقب.
ومع توالي الأدوار كانت تزداد صعوبة المباريات، وهنا ينطبق الأمر على مواجهة صاحب الأرض والجمهور منتخب قطر الأول في نصف النهائي، وهي المواجهة التي أسالت الكثير من الحبر بسبب الأحداث الغريبة التي حدثت فيها، والتي يبقى أبرزها احتساب الحكم لـ 9 دقائق كاملة كوقت بدل ضائع نجح في دقيقته السادسة منتخب قطر من تعديل النتيجة عن طريق مونتاري بعد أن كان بن العمري قد افتتح باب التسجيل للمنتخب المحلي في د 62.
وأوفت مباراة النهائي بوعودها، حيث أكد الجميع أن المنتخبين الجزائري والتونسي لعبا كرة أوروبية مفتوحة وممتعة مع أن المباراة انتهت في وقتها الأصلي
بالتعادل السلبي، إلا أن الفرص كانت حاضرة من الطرفين لكن حنكة المدرب بوقرة صنعت الفارق خلال هذه المواجهة، وهو الذي راهن على سعيود الذي لم يشارك في أي مباراة منذ مواجهة السودان في الدور الأول، فنجح في فك شيفرة دفاع المنتخب التونسي قبل أن يطلق المتألق ياسين براهيمي رصاصة الرحمة على «نسور قرطاج»، ويؤكّد أحقية المنتخب المحلي بالفوز في النهائي.
أسماء برزت وأخرى تألّقت
عرفت مشاركة المنتخب المحلي في كأس العرب تألق بعض اللاعبين، وبروز عناصر أخرى أكّدت أنّها قادرة على رفع التحديات خلال الاستحقاقات المقبلة سواء مع المنتخب المحلي أو ضمن المنتخب الأول، وهو ما يؤكد وفرة المواهب التي ستمنح الإضافة لا محالة، وتعطي رونقا آخر لكرة القدم الجزائرية التي واصلت البقاء في الريادة بعد أن ظفرت من قبل باللقب القاري ها هي تظفر عن جدارة باللقب العربي.
ومن بين الأسماء التي تألقت في موعد الدوحة، اللاعب المميز و»المايسترو» يوسف بلايلي، الذي نجح في قيادة المنتخب المحلي إلى منصة التتويج، والأكيد أن الجميع لن ينسى الهدف الصاروخي الذي سجله في مرمى المنتخب المغربي، والذي نال جائزة أفضل هدف في الدورة عن جدارة واستحقاق.
اللاعب الآخر الذي أكّد أنه من طينة الكبار هو من نال لقب الأفضل في الدورة، ومن كان وراء مسك ختام أهداف المنتخب في الدوحة بتسجيله الهدف الثاني في مرمى تونس، ويتعلق الأمر بياسين براهيمي الذي وعلى الرغم من أنه خرج من حسابات بلماضي مؤقتا إلا أنه سيعود لا محالة للتواجد مع المنتخب الأول في الفترة المقبلة.
عرفت كأس العرب بروز العديد من المواهب الصاعدة التي ستمنح الكرة الجزائرية المزيد من التألق والنجاح، ونقصد هنا ثنائي شباب بلوزداد دراوي وميزراق اللذين نجحا في البروز والتألق، وأكدا أنهما من العناصر التي يجب أن تحظى بالرعاية والاهتمام بالنظر إلى الإمكانيات الفنية التي يتمتّعان بها.
كما كان الثنائي الطائر بن عيادة وشتي من العناصر التي لاقت الإعجاب الكبير بفضل المستوى الذي قدماه خلال الدورة، حيث كانا من أفضل اللاعبين، وأكّدا أنّهما يستطيعان تقديم الإضافة للمنتخب الأول خلال كأس أمم إفريقيا المقبلة.