أبرز شخصيات اليمين واليسار دعمته، ووسائل التواصل الإجتماعي غزت موقعه في الإليزي
إلى الأمام ، تقدّم المرشح الوسطي إمانويل ماكرون يشقّ طريقه نحو سدّة الحكم و يطيح بمنافسيه الواحد تلو الآخر ، آخرهم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان ، لينتزع مفاتيح الاليزي و يحقق فوزا تاريخيا بسباق رئاسي كان بكلّ المقاييس استثنائيا ، و حمل بين ثناياه مفاجآت قلّبت قواعد الانتخابات الفرنسية رأسا على عقب ، و كسّرت آلياتها ، فلأوّل مرّة في تاريخ الجمهورية الخامسة ،وجدت الاحزاب التقليدية الكبرى التي تداولت على السلطة مند ما يقارب الستة عقود نفسها خارج السباق ، بعضها بسبب الفضائح التي أحاطت بمرشحيها ، و أخرى نتيجة ضحالة حصيلتها و التشرذم و الانقسام الذي أضعفها و اخرجها من باب المنافسة مهزومة ، مهزوزة تجرّ أذيال الخيبة و الانكسار.
مثلما رشّحته كلّ التوقعات ، فاز الوسطي إمانويل ماكرون الحديث العهد بالسياسة ، برئاسة فرنسا خلفا لفرانسوا هولاند و حصد65.5 في المائة من أصوات الناخبين حسب النتائج الاولية ، في حين لم تحصل منافسته زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان سوى على 34.9 في المائة ، أي بفارق 30 في المائة من الاصوات المعبّر عنها و الفارق كما نرى كبير و هو يعكس بوضوح أن الفرنسيين اختاروا التغيير بعيدا عن التطرّف و الإبحار في مغامرات محفوفة المخاطر مناقضة للعولمة كالرغبة في تطليق أوروبا و الخروج من إتحادها القاري ، و فضّلوا المرشّح الشاب الذي كان الفرنسيون بالكاد يعرفونه ، و الذي أبان خلال الحملة الانتخابية عن مقدرة عجيبة في استقطاب المؤيدين ، و كان كالساحر أو الصيّاد الماهر الذي أوقع في شباكه كلّ التيارات ، و فئة الشباب على وجه خصوص، التي يبدو بأنها قرّرت الطلاق مع الماضي و رجالاته التي عجزت عن تحقيق تطلعات الفرنسيين و حل مشاكلهم ، و الانطلاق نحو المستقبل و الأمل في غد أفضل مع رجل يدرك جيّدا خبايا الاقتصاد و له الكفاءة التي تجعله قادرا على مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها فرنسا على أكثر من صعيد .
إنتهى العرس الانتخابي الفرنسي أمس بنسبة مشاركة بلغت 65,30% عند الساعة الخامسة مساء وفق ما أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية. وسجلت هذه النسبة انخفاضا مقارنة بالدورة الأولى التي جرت في 23 أفريل (69,42%) والدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2012 (71,96%)، لكنّها لم تكن كارثية كما توقّع البعض، و منحت الشرعية اللازمة لماكرون الذي بيّن للجميع بأنه لم يكن كما قال البعض مجرد فقاعة اعلامية ، بل هو اليوم رئيس لكل الفرنسيين و يحظى بقاعدة شعبية واسعة ستجعله يدخل التشريعيات في جوان القادم بزخم كبير وعينه على الاغلبية في الجمعية الوطنية.
لوبان تقر بهزيمتها
قالت المرشحة المنهزمة مارين لوبان مباشرة بعد ظهور نتائج الدورة الثانية من سباق الاليزي ، إن الفرنسيين اختاروا استمرارية السياسات القديمة.
واعتبرت أن النسبة التي حصلت عليها لم يسبق لها مثيل وإن الجبهة الوطنية ستكون قوة المعارضة الرئيسية لماكرون الذي هنأته بفوزه ، متمنية له النجاح في مواجهة التحديات الكبرى.
فوز على التيارات المتطرفة
يعتبر الأوروبيون فوز ماكرون بانتخابات الرئاسة في فرنسا فوزاً أوروبياً على التيارات القومية المتطرفة التي حملت رايتها في الدورة الثانية زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان المناهضة للمسار الاندماجي الأوروبي وللعولمة.
ويعد ماكرون النجم السياسي الصاعد في الفضاء الأوروبي، حيث يعزز وصوله معسكر الاندماج الأوروبي ضد التيارات الشعوبية التي صوتت في بريطانيا لفائدة خروج البلاد من الاتحاد، ومنحت في هولندا المرتبة الثانية في الانتخابات العامة إلى حزب زعيم اليمين المتطرف في هولندا غيرتفيلدرس في منتصف شهر فيفري الماضي، ووضعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان في المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة.
وينتمي إيمانويل ماكرون إلى جيل جديد من السياسيين في أوروبا منهم رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي ونظيره اليوناني الكسي تسيبراس ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتيه، وكلاهم ليبرالي وسطي بالقناعة أو الواقعية السياسية.
وبقدر ترحيبهم بفوز مرشح الوسط المستقبل إيمانويل ماكرون فإن الأوروبيين يتساءلون أيضاً حول تداعيات المشهد السياسي الذي خلفته خارطة الانتخابات، وتأثيراته المباشرة على الرئيس الجديد كونه يفتقد لقاعدة حزبية تقليدية، والصعوبات التي سيواجهها فوراً في تشكيل قوائم الانتخابات العامة والسيناريوهات المتعددة التي قد تفرزها صناديق الاقتراع بعد شهر.