تكشف «الشعب»، أهم بنود ومبادئ الوثيقة التي قدمها فريق الوساطة لمسار الجزائر للحوار المالي الشامل، في ختام الجولة الرابعة للمفاوضات، بعد تعديلها، للحكومة المالية والحركات المسلحة والسياسية بشمال مالي، والتي تحمل إسم «مشروع اتفاق للسلم والمصالحة في مالي».
غادرت أطراف الأزمة في مالي، الجزائر يوم 27 نوفمبر المنقضي وبيدها وثيقة مشروع اتفاق السلم المنشود، ستعكف على دراسة مضمونها بعد التعديلات التي أدخلها فريق الوساطة الذي تقودها الجزائر على الوثيقة الأولى المنجزة شهر أكتوبر الماضي، بناءً على ملاحظات الطرفين. على أن يجتمعا مجددا شهر جانفي المقبل، في جولة خامسة قد تكون المناسبة لوضع آخر اللمسات وتوقيع اتفاق السلام.
الوثيقة، التي حازت «الشعب» على نسخة منها، تضم مبادئ ومواد تعكس الجهود المضنية التي يبذلها فريق الوساطة، الممثل في الجزائر كقائد ومشرف، المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي ودول النيجر، تشاد، بوركينافاسو وموريتانيا.
واستهل «مشروع اتفاق السلم والمصالحة في مالي» بديباجة، يعبّر فيها الطرفان عن التقدير العميق للجزائر وفريق الوساطة، ويخلصان بعد «تحليل عميق للوضع في مالي عامة ومنطقة الشمال خاصة، والذي تميز دائما بعنف متجدد، ضاعفته الحكامة السيئة وتبعاتها على السكان المحليين». إلى إدراك «أهمية وضع حكامة تتماشى والخصائص الجيو- تاريخية والسوسيو ثقافية لمناطق الشمال».
ويبديان إصرارا على «إزالة نهائية للأسباب العميقة للوضعية الحالية وترقية مصالحة حقيقية قائمة على استعادة التاريخ والاعتراف بالتجاوزات التي كانت سببا في تهميش واحدة من مكونات الشعب المالي».
وتتضمن ذات الديباجة قناعة الحكومة والحركات المسلحة والسياسية «بضرورة إعادة بناء وحدة وطنية قائمة على قواعد مبتكرة تحترم السلامة الترابية، وتأخذ بعين الاعتبار التعددية العرقية والثقافية وخصائصها الجغرافية والسيوسيو- اقتصادية» وتسمح للجميع بالمساهمة في بناء مالي جديد.
كما يدرك الجانبان حتمية إرساء السلم والأمن والاستقرار دون أجل أو مهلة زمنية، وترجمة قواعد الحكامة الجيدة على أرض الواقع، ويؤكدان على إلزامية محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان، ويجددان ارتباطهما بالهيئات الإفريقية والدولية.
واقترحت الوساطة على الجانبين، بعد ديباجة المشروع، التوافق على جملة من المبادئ، تتمثل في «احترام الوحدة الوطنية والسلامة الترابية وسيادة الدولة وطابعها الجمهوري اللائكي»، إلى جانب «احترام وترقية التعددية الثقافية واللغوية وتطوير مساهمة كافة مكونات الشعب، خاصة الشباب والنساء في ورشة بناء الوطن».
وأدرج ضمان تكفل السكان بالتسيير الفعلي لشؤونهم الخاصة من خلال حكامة تأخذ بعين الاعتبارات حاجاتهم الخاصة وتطلعاتهم ضمن المبادئ، والمقصود هنا ترقية الديمقراطية التشاركية التي تم تفصيلها في فصول ومواد مشروع الاتفاق.
وتلزم الوثيقة الأطراف المالية بنبذ العنف كأداة للتعبير السياسي وتحث على الحوار والتشاور لحل الخلافات، مع احترام حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.
المسؤولية التاريخية... وميثاق وطني للسلم والمصالحة
ينص الفصل الثاني لمشروع الاتفاق، الذي جاء تحت اسم «التزامات عامة»، على تقيّد الأطراف بتنفيذ إجراءات الاتفاق بنيّة حسنة ويعترفون بمسؤوليتهم الأولية».
وسبق أن دعا فريق الوساطة الحكومة المالية وحركات الشمال، إلى تحمل المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم والاستجابة لتطلعات الشعب المالي التوّاق إلى السلم والمصالحة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وتحمل وثيقة الوساطة في مادتها الرابعة(4)، إعداد ميثاق وطني للسلم، الوحدة والمصالحة الوطنية، يتم بصيغة توافقية ويتكفل بأبعاد الذاكرة، الهوية، التاريخ والثقافة المشكلة للأركان الأساسية للأمة المالية.
ونصت المادة السابعة(7)، على طلب الأطراف المالية من المجموعة الدولية أن تكون الضامن سياسيا في احترام الاتفاق والمرافقة الفعلية في تنفيذه وتنخرط بشكل فعلي في آلية المتابعة والتقييم، وهذا ما أكده فريق الوساطة على لسان وزير الخارجية رمطان لعمامرة الالتزام به بالقول: «مسار الجزائر ستتبعه مسارات أخرى للمرافقة والتنفيذ» في افتتاح أشغال الجولة الرابعة للحوار بفندق الأوراسي بالعاصمة.
مجلس جهوي لمناطق الشمال
يحمل الفصل الثالث لمشروع الاتفاق إسم «الإطار المؤسساتي وإعادة التنظيم الإقليمي» وتتفق في مستهله الأطراف المالية على إعداد مخطط مؤسساتي للتطوير، يسمح لسكان الشمال «بتسيير شؤونهم الخاصة وفق مبدإ الإدارة الحرّة وضمان تمثيلية أكبر في المؤسسات الوطنية. كما ورد في المادة(8).
وأخذ مصطلح «الإدارة الحرة» حيّزا كبير من النقاش، خلال الجولة الرابعة من المفاوضات المغلقة التي جرت الأسبوع المنصرم بالجزائر، حيث رأت الحركات المسلحة أنه مصطلح فضفاف، وطالبت في المقابل بإدراج الحكم الذاتي أو الفيدرالي في الوثيقة، وهو ما يراه وفد الحكومة مساسا بالوحدة الترابية.
واقترح فريق الوساطة في الوثيقة، إنشاء مجلس جهوي لمناطق الشمال، ينتخب عبر الاقتراع العام وينتخب بدوره رئيسه الذي سيتولى المسؤولية التنفيذية والإدارية في المنطقة، ويكون متاحا للجماعات الإقليمية أن تحوز على هيئات منتخبة بطريقة ديمقراطية، تتمتع بالسلطات القانونية والإدارية والمالية المتاحة.
ويتضمن الاتفاق مشروع منطقة تطوير جهات الشمال يحوز على مجلس استشاري ما بين الجهات، يتكون من ممثلي المجالس الجهوية المعنية والمكلفة بتنسيق الجهود الرامية إلى تسريع وتيرة التنمية الاقتصادية.
وحتى لا تترك الوساطة أي فراغ، اقترحت أن تكون السلطة المالية ممثلة لدى الجماعات الإقليمية بممثل يسمى «مندوب الحكومة»، للحرص على المصلحة العامة، ويتولى الرقابة البعدية مشروعية التدابير والإجراءات المتخذة ومطابقتها لقوانين الدولة، ويربط بين سياسة الحكومة في المشاريع الكبرى ويسهل التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ندوة دولية للدول المانحة
من ضمن بنود مشروع الاتفاق، تمكين منطقة التطوير بشمال مالي، من استراتيجية خاصة، يعدها الطرفان بدعم من المجموعة الدولية، على أن يتم تنظيم ندوة دولية للدول المانحة بعد إمضاء الاتفاق، لتوفير السيولة المالية اللازمة لإطلاق مسيرة إعادة الإعمار وتشييد مختلف المشاريع الخاصة بالبنى التحتية.
كما تستفيد المجالس الجهوية من تحويل للكفاءات اللازمة، ولم تقصِ الوثيقة إعداد تقسيم إداري جديد للمناطق الشمالية باستحداث دوائر وبلديات وفق النجاعة الاقتصادية. كما يخول لسكان الشمال، جماعات أو فرادى، إطلاق التسميات التي يريدونها.
استحداث مجلس الأمة
رغم الرفض الذي أبدته الحكومة المالية لمقترح استحداث غرفة ثانية بالبرلمان، بحجة التدخل في السيادة وإلزامية تعديل الدستور عبر الاستفتاء، إلا أن فريق الوساطة أبقى على مقترح إنشاء غرفة عليا (مجلس الأمة)، يمثل الجماعات الإقليمية والوجهاء التقليديين والدينيين، ليشكل مع الجمعية الوطنية الحالية برلمان مالي.
وتنص الوثيقة على رفع نسبة التمثيل لسكان الشمال على مستوى الهيئة التشريعية العليا، من نائب (1) على 60 ألف نسمة إلى نائب (1) على 30 ألف نسمة، مع خلق لجنة تتكلف بمراقبة التوازنات المتوافق عليها في الاتفاق. على أن تقدم الحكومة المالية تقاريرها كل 6 أشهر عن التطورات الحاصلة أمام مجلس الأمة.
ميدان الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة
ورد الفصل السابع تحت مسمّى «إجراءات الثقة والاستقرار»، ويؤكد الطرفان في مستهله، احترامهما الدقيق للاتفاق ويمهدان لإعادة انتشار الجيش المالي وتجميع عناصر الجماعات المسلحة، وتطبيق برنامج نزع السلاح والتسريح والإدماج وإعادة التأهيل.
وتشرف لجنة وطنية، تنشأ بعد 60 يوما كأقصى تقدير من توقيع الاتفاق، على تنفيذ مسار التجميع والبرنامج بالتشاور مع السكان المحليين، على أن تتم العمليتان بالتوازي وبشكل تدريجي خلال مدة سنة، بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة «ميونيسما».
ووافقت الحركات المسلحة على الصيغة التدريجية لنزع السلاح والاندماج في مؤسسة الجيش لدولة مالي، رابطة ذلك بمدى تقدم تطبيق بنود الاتفاق وتجسيد السلم على الأرض.
ويشمل انتشار الجيش المالي وعناصر الشرطة، كافة مناطق ومدن شمال مالي. ويلتزم الطرفان بمحاربة الإرهاب وعصابات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود، ما سيعطي، مع الوقت، تأميناً أكبر لحدود دول الجوار.
مجلس وطني لإصلاح قطاع الأمن
تتضمن وثيقة مشروع اتفاق السلم والمصالحة بمالي، وضع مجلس وطني لإصلاح قطاع الأمن، بشقيه المتعلقين بالدفاع الوطني والأمن الداخلي بمشاركة الطرفين الموقعين، على أن تلتزم الحكومة المالية، بدعم الشركاء الدوليين، باتخاذ الإجراءات لاستحداث منظومة دفاعية تستجيب لكل الاحتياجات الأمنية للبلاد، الأمر الذي يدخل في إطار مشروع مخطط إعادة تأهيل وهيكلة الجيش المالي.
وتتضمن الوثيقة، التي تعكف الحركات المسلحة والحكومة على دراستها، قبل العودة إلى الجزائر وتقديم ملاحظاتها، بنوداً تتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب المصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، وتحدد كيفية دعم ومرافقة المجموعة الدولية وملحقات أخرى، تبين المجهودات التي بذلتها الوساطة في سبيل إنهاء الأزمة المالية نهائيا وطيّ صفحة الخلافات والضغينة.