معاناة أخرى للفلسطينيّين

غــزة تودع شهـداءها بـلا قبـور

في باحة المستشفى المعمداني وسط مدينة غزة، وقف الفلسطيني عبد الكريم عليوة يحاول أن يتمالك نفسه وهو ينظر إلى التراب الذي احتضن جثماني ابنيه محمد وفادي، بعد أن استشهدا في الإبادة الصّهيونية على القطاع المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023.
اقترب من مرقدهما الذي حُفر على عجل في أحد أركان المستشفى ووقف بصمت يراقب التراب بعد أن دفنا بلا جنازة ولا مشيّعين، فقط عدد قليل من العاملين وبعض الأهالي، بينما أصوات سيارات الإسعاف لا تتوقف.
يقول عليوة: “دفنت ولديّ محمد وفادي في قبر واحد داخل ساحة المستشفى، لم يكن أمامي خيار آخر، فالمقابر إما ممتلئة أو مدمّرة، ولا وقت لدينا في ظل الحرب”.
أزمة مدافن
 قصة عليوة ليست استثناءً، فمع امتلاء المقابر وتعذّر الوصول إلى أخرى تقع ضمن مناطق توغل عسكري صهيوني، يلجأ كثير من الفلسطينيّين لدفن ذويهم مؤقتًا في باحات المستشفيات والحدائق، أو حتى على أطراف الطرقات التي تحولت إلى مقابر.
وفي 3 جويلية الجاري أعلنت وزارة الأوقاف بغزة نفاد القبور في معظم مناطق القطاع مع تزايد أعداد الشهداء.
ويردف عليوة بصوت منخفض: “ذهبت إلى عدة مقابر فوجدتها ممتلئة تمامًا، لم أجد مكانًا، فدفنتهما هنا على أمل أن أكرمهما لاحقًا بقبور تليق بهما”.
القبر الجماعي هو الحل
 ويوضّح الرجل أنّ كثيرًا من العائلات اضطرت إلى فتح قبور قديمة أو دفن أكثر من جثمان في قبر واحد، بسبب ضيق المساحات واستمرار الحرب.
من جهته يؤكّد مسؤول ملف المقابر بوزارة الأوقاف خالد نصر الله، أن “جميع المقابر امتلأت أو تعرضت للاستهداف، خاصة في الشمال والشرق، وبعضها يقع اليوم داخل مناطق عسكرية مغلقة”. ويشير إلى أنّ الجيش الصّهيوني دمّر أكثر من 40 مقبرة بشكل كلي أو جزئي منذ بدء الحرب، مضيفًا أن الوزارة بدأت بتجهيز قطعة أرض مساحتها 14 دونمًا في دير البلح وسط القطاع كموقع بديل للدفن، لكنها “لا تكفي أمام الحاجة المتزايدة”.
ويتابع: “وصلنا إلى مرحلة يُدفن فيها 6 جثامين في قبر واحد، بعض الأهالي يعيدون فتح قبور أقاربهم أو يشترون قبورًا قديمة مرمّمة بأسعار مرتفعة”.
حفظ الكرامة
 جميل أبو سكران، المتطوّع منذ أكثر من 20 عامًا في إحدى مقابر مدينة غزة، يقول: “كنا ندفن الشهداء بكرامة، أما اليوم فنضطر لدفنهم جماعات. لا إسمنت ولا رخام، نستعين بالحجارة والخشب ونحاول الحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة”.
ويشير إلى أنّ بعض الأهالي لجأوا إلى دفن أحبائهم مؤقتًا في أراضيهم الخاصة أو حتى في باحات المنازل.
لم تقتصر الأزمة على القبور، بل امتدت إلى طقوس تغسيل وتكفين الموتى، فقد أطلقت جمعية “قراطان” الخيرية، التي تقدم خدمات الغسل والتكفين مجانًا، نداء استغاثة بسبب نفاد الأكفان والنايلون العازل ومواد التنظيف.
مقابر مغلقة
 جنوبًا، يعيش الفلسطينيّون في خان يونس مأساة مضاعفة، فمع اجتياح الجيش الصّهيوني معظم مناطق المدينة، أُغلقت المقابر وتحولت المشرحة في “مستشفى ناصر” إلى مكان لتكدّس عشرات الجثامين دون إمكانية للدفن.
بجانب المشرحة، تجلس هبة بركة، قرب جثمان نجلها وتقول: “نبحث عن مكان لدفنه بعد تعذر دفنه هنا، أريد أن أكرمه ولو بحد بسيط”. أما مطيع حسان، الذي فقد شقيقه، فيقول: “أُطلقت النار علينا أثناء محاولتنا دفنه، لا مكان آمن ولا وسائل نقل بسبب شح الوقود وغلاء الأسعار”.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025
العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025