مدن استراتيجية وقعت تحت حصار الجماعات الإرهابية

مالي تدخـل مرحلة جديـدة من التهديـد الأمنـي

 طرح حصار جماعة موالية لتنظيم القاعدة الإرهابي لمدينتين في مالي، سيلا من الأسئلة على دول غرب إفريقيا، دون أمل في إجابة قريبة على ما يبدو.
ورأى خبراء في الشأن الإفريقي أنّ إعلان جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي فرضَ حصارٍ على مدينتي كايس ونيورو في مالي، يمثل تصعيدًا خطيرًا يسلّط الضوء على التمدّد المتنامي للجماعات الدموية في غرب إفريقيا، في ظل تراجع فعالية الدولة والانقسامات الإثنية.
وقال باحث متخصّص في قضايا الساحل الإفريقي، في تصريح للصّحافة، إنّ إعلان الجماعة الإرهابية حصارا على مدن مأهولة ومفتوحة مثل كايس “يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة من التهديد الإرهابي، تقوم على التحكّم في الطرق التجارية وخنق المناطق الحيوية، وليس فقط تنفيذ هجمات متفرّقة”. وأضاف أنّ “كايس ليست مجرّد مدينة محلية، بل عقدة مواصلات بين مالي والسنغال وموريتانيا، وخنقها يعني عمليًا ضرب العصب الاقتصادي للدولة المالية، وهو ما يشير إلى تنامي طموح الجماعة الإرهابية في فرض واقع ميداني على الأرض”.

الحصار كسلاح جديد

 كما قال باحث آخر متخصّص في الحركات الإرهابية في إفريقيا: إنّ “الجيش المالي، وإن كثف من حملاته، إلا أنه يواجه خصمًا يعرف المنطقة جيدًا، ويتقن اللعب على البعد الإثني، ويستفيد من ضعف التعاون الإقليمي بعد انسحاب القوات الفرنسية وتراجع الدور الغربي”.
وأشار إلى أنّ “الإرهابيّين باتوا يستخدمون سلاح الحصار كتكتيك جديد للرّدع والعقاب، ولفرض سيطرتهم بطريقة غير مباشرة. هذا النهج يضع السكان بين فكي كماشة: الخوف من الإنتقام الإرهابي إن تعاونوا مع الجيش، والخوف من البطش الأمني إن صمتوا”.
وأعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، فرضَ حصارٍ على مدينتي كايس ونيورو دو الساحل، واتهمت السكان بـ«التعاون مع الجيش المالي”. وجاء ذلك بعد سلسلة من الهجمات المنسّقة على الحدود مع السنغال وموريتانيا. وفي رسائل صوتية بلهجتي البول والبانبارة، اتهم التنظيم الدموي سكان كايس ونيورو بأنهم ساعدوا الجيش في تنفيذ اعتقالات، محذّرًا من أن أي رجل يقع في قبضتهم “سيُقتل”. كما أعلنوا عزل المدينتين عن الطرق التي تربطهما بباماكو والسنغال وموريتانيا، في خطوة تهدّد الاستقرار الإقليمي.

صمت حكومي

 ورغم خطورة الوضع، لم تصدر الحكومة المالية ردًا مباشرًا على إعلان الحصار، لكنها دعت في بيان رسمي السكان إلى “التبليغ عن أي تحرّك مشبوه”. كما أشارت إلى استخدام الإرهابيّين طائرات دون طيار (درون) انتحارية، واتهمت “وسائل الإعلام الدولية” بـ«التواطؤ مع الإرهاب”. ورغم أنّ الحكومة تحدثت عن وقوع قتلى بين المدنيين والعسكريين، لم تعلن أرقاما دقيقة، بل اكتفت بعبارة “نصلي من أجل أرواحهم”، ما فُسّر على أنه تعتيم متعمد.
القلب التجاري في خطر
 ومدينة كايس ليست مجرّد مركز سكاني، فهي نقطة ارتكاز في طريق التجارة الحيوي الذي يربط ميناء داكار، عاصمة السنغال، بالعاصمة المالية باماكو. وتشهد هذه الطريق مرور مئات الشاحنات يوميًا.
وقالت مصادر، إنه إذا نجح الإرهابيّون في تنفيذ الحصار فعليًا، فإنّ ذلك يعني خنق التجارة الإقليمية، وقطع الإمدادات الغذائية والوقود، وتعطيل الاقتصاد المحلي الذي يعاني أصلًا من تداعيات الحرب. كما نقلت وكالات عن الباحث بوبكر با، مدير مركز الحوكمة والأمن في الساحل في باماكو، قوله إنّ “الجماعة الإرهابية استخدمت تكتيكات التسلّل والمراقبة الطويلة، وهي الآن تشعر بقدرتها على خوض مواجهات مباشرة، وتنفيذ عمليات خنق للمدن”. وأضاف بأنّ: “المنطقة مليئة بالأحراش والغابات الصغيرة، وتتيح للإرهابيّين إمكانيات للاختباء والكرّ والفرّ، ما يصعّب من مهمة الجيش، خاصة في ظل نقص الاستطلاع الجوي أو المعلومات الاستخباراتية الدقيقة”. وهذا ليس أول حصار تفرضه القاعدة الإرهابية، لكنها المرة الأولى التي تطول مدينة بحجم كايس، حيث يقيم أكثر من 190 ألف نسمة، وتضم مناطق ريفية متصلة بملايين السكان.

على شفا الفوضى

 في ظل غياب ردّ حكومي واضح، واستمرار الاتهامات الإثنية المتبادلة، وغياب التنسيق الأمني الإقليمي، يبدو أنّ جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الإرهابية تتحوّل من تنظيم مسلّح إلى لاعب ميداني يسعى لفرض معادلات سياسية واجتماعية على الأرض. ويحذّر خبراء من أنّ مالي قد تكون في طريقها إلى دورة جديدة من الفوضى، ما لم تتدخّل أطراف إقليمية ودولية لرسم خريطة ردع أمنية وتنموية حقيقية، تعالج ليس فقط التهديد العسكري، بل جذور التأييد المجتمعي الذي يجعل من الحصار أداة ناجحة للجماعات الإرهابية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025