أبدت الهند وباكستان أمس استعدادهما لخفض التصعيد العسكري بينهما شريطة التزام كل طرف بذلك، لكنهما تبادلتا القصف واستبعدت إسلام آباد “الخيار النووي في المرحلة الحالية” بعدما تضاربت الأنباء حول دعوتها لانعقاد أعلى هيئة نووية في البلاد ردا على الهجمات الهندية.
في مشهد يعجّ بالتوتر الإقليمي والدولي، جاء إعلان إجراء أوّل اتصال هاتفي مباشر بين مسؤولين رفيعي المستوى من الهند وباكستان كفسحة أمل في خضم تصعيد عسكري خطير بدأ قبل أيام عند خط السيطرة الفاصل في كشمير.
هذا الاتصال الذي كشفت عنه الصحافة أمس، ولم تُعلن تفاصيله بشكل كامل، أشار إلى إمكانية فتح باب للحوار بين إسلام أباد ونيودلهي، ولو محدودًا، في ظل ظروف تضع المنطقة على حافة نزاع موسع.
فقد أعرب وزير الخارجية الباكستاني، محمد إسحاق دار، عن استعداد بلاده لوقف التصعيد إذا ما التزم الجانب الهندي بذلك. وقال في تصريحات لتلفزيون محلي، أمس السبت، إنه أخبر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عبر الهاتف “أن الكرة في ملعب الهند في ما يتعلق بتهدئة الوضع الأمني”. كما أضاف أن بلاده سوف تدرس خفض التصعيد إذا لم تنفذ الهند المزيد من الهجمات.
بدورها أعلنت نيودلهي أنها ملتزمة بعدم التصعيد إذا ردت باكستان بالمثل. وقالت قائدة الجناح الجوي في الجيش الهندي، فيوميكا سينج، إن بلادها ملتزمة “بعدم التصعيد، شريطة أن يرد الجانب الباكستاني بالمثل”. في حين حث وزير الخارجية الأمريكي البلدين على استئناف الاتصالات المباشرة، “تجنّبا لأي سوء تقدير” في النزاع المتصاعد.
جولة أخرى من المواجهة
جاءت هذه المواقف بعد إعلان الجانب الباكستاني عن إطلاق عملية “البنيان المرصوص” فجر أمس ردا على استهداف القوات الهندية 3 قواعد جوّية في الأراضي الباكستانية. كما جاءت وسط دفع البلدين بتعزيزات عسكرية إضافية إلى الحدود.
وكان الجيش الباكستاني أعلن أن الهند شنت سلسلة ضربات جوية على مواقع عسكرية داخل الأراضي الباكستانية، فيما ردّت نيودلهي بأن تلك الهجمات جاءت بعد استهداف مدفعي من الجانب الباكستاني طال منشآت مدنية في الجزء الهندي من كشمير.
وقد أعلن الجيش الباكستاني، أمس، أن ثلاثاً من قواعده الجوية تعرضت لهجوم صاروخي هندي، بينها قاعدة تقع على مشارف العاصمة إسلام آباد بالقرب من مقر قيادة الجيش. وقال المتحدث العسكري أحمد شريف شودري، خلال بث مباشر عبر التلفزيون الرسمي: «الهند بعدوانها، شنت هجوماً صاروخياً استهدف قواعد نور خان ومريد وشوركوت».
وأعلن التلفزيون الباكستاني الرسمي بعد ذلك، أن ردّا جاريا ضد الهند. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن «مواقع متعددة في الهند جار استهدافها». وقال الجيش الباكستاني، في ساعة مبكرة من صباح أمس، إنه استهدف منشأة تخزين صواريخ وقواعد جوية هندية.
من جهته، أعلن الجيش الهندي، أمس “عن شن باكستان هجمات جديدة بواسطة طائرات مسيرة وذخائر أخرى على طول حدودنا الغربية”. وقالت القائدة العسكرية الهندية فيوميكا سينغ أن الجيش الهندي “رد بفعالية” على الهجمات الباكستانية، التي شملت - بحسب تعبيرها - منشآت تعليمية وطبية، بالإضافة إلى محاولات توغل جوي باستخدام طائرات مسيرة.
وأشارت سينغ إلى أن باكستان استخدمت صاروخًا فائق السرعة لاستهداف قاعدة جوّية في ولاية البنجاب، معتبرة ذلك مؤشرًا على نية واضحة لمزيد من التصعيد. إلا أن نبرة التصريحات في الجانب الهندي بقيت ضمن حدود محسوبة، مما فسّره مراقبون على أنه رغبة ضمنية في الإبقاء على التوتر تحت السيطرة.
رسائل تهدئة
على الصعيد السياسي، بعث وزير الخارجية الباكستاني إسحاق دار برسالة تهدئة مهمة خلال مقابلة مع محطة تلفزيونية محلية حين قال: “إذا توقفت الهند عند هذا الحد، فسنتوقف نحن أيضًا”. وأضاف: “نحن نريد السلام دون أن تهيمن أي دولة على الأخرى”.
هذه الرسالة حملت في طيّاتها دعوة مباشرة لوقف التصعيد المتبادل، وبدت بمثابة اختبار لنوايا الهند بشأن إنهاء الجولة الحالية من الاشتباك.
استبعاد الخيار النووي
وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف بدوره أدلى بتصريحات مفاجئة قلّلت من التوقعات بشأن تحركات استراتيجية أوسع، إذ نفى أن يكون هناك أي اجتماع مرتقب لهيئة القيادة الوطنية، وهي أعلى سلطة مدنية وعسكرية تشرف على الترسانة النووية الباكستانية.
وصرّح بأن الاجتماع لم يُعقد ولا يوجد على جدول الأعمال حاليًا، وهذه التصريحات فُسّرت على نطاق واسع كمؤشر على أن باكستان لا تنوي التصعيد إلى مرحلة تتضمن تفعيل العقيدة النووية أو حتى التهديد بها.
وساطة أمريكية مُجدية
في هذه الأثناء، دخلت الولايات المتحدة بقوّة على خط الوساطة، حيث أجرى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو اتصالات منفصلة مع وزيري خارجية الهند وباكستان، بالإضافة إلى قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير.
في هذه الاتصالات، شدّد روبيو على “ضرورة استئناف قنوات الاتصال المباشر بين الجانبين لتفادي سوء تقدير قد يؤدي إلى عواقب لا تُحمد”، كما عرض وساطة أمريكية رسمية هي الأولى من نوعها منذ بداية التصعيد.
وقد نقلت الخارجية الأمريكية أن واشنطن ترى في إعادة التواصل المباشر وسيلة جوهرية لوقف التدهور وإعادة بناء الثقة بين الجارتين النوويتين. وعلى الرغم من أن التصعيد العسكري لم ينته بعد بشكل كامل، إلا أن لهجة التصريحات السياسية خلال الساعات الأخيرة تشير إلى أن فرص خفض التصعيد لا تزال قائمة.
فغياب الاجتماعات الطارئة على المستوى النووي، وحديث قادة الطرفين عن التوقف “إذا توقف الطرف الآخر”، كلها عوامل تشير إلى أن التصعيد لم يبلغ بعد نقطة اللاعودة. غير أن المسار يبقى هشًا ومعتمدًا على خطوات عملية سريعة لاحتواء الموقف، خصوصًا وأن كشمير لا تزال نقطة الاشتعال التي كثيرًا ما تُلهب شرارة مواجهات أكبر.
أسوأ مواجهة منذ عقود
يذكر أن هذا التوتر غير المسبوق بين الجارتين النوويتين بدأ منذ الهجوم الدامي الذي أودى، يوم 22 أبريل الماضي، بحياة 26 شخصا في مدينة باهالغام السياحية، بإقليم كشمير الذي يتنازع البلدان السيادة الكاملة عليه منذ تقسيمه عند الاستقلال عام 1947. إذ اتهم الجانب الهندي إسلام آباد برعاية منفذي الهجوم، في حين نفت باكستان الأمر جملة وتفصيلا.