يخوض الصّحراويّون منذ سنوات معركة قضائية مصيرية من أجل حماية ثرواتهم، التي يعمل الاحتلال المغربي بتواطؤ مع مجموعة من الدول الغربية والشركات الأجنبية على استنزافها وتغذية استعماره بعائداتها، وذلك رغم صدور عدّة قرارات تقضي بأنّ “الصحراء الغربية إقليم منفصل ومتمايز عن مملكة المغرب، وبأنّ المخوّل الوحيد للاستفادة من موارد هذا الإقليم أو التصرّف فيها هو الشعب الصحراوي لا غير”.
تتّجه أنظار الشّعب الصحراوي والمتضامنين معه إلى لوكسمبورغ، إذ من المرتقب أن تقول محكمة العدل الأوروبية غدا كلمتها بخصوص الطعن الذي تقدّم به مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي ضد قرار العدالة إلغاء الاتفاقيتين الرئيسيتين الموقعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول المنتجات الزراعية والصيد البحري؛ لأنّهما تشملان الصحراء الغربية، بالإضافة إلى القضية التي رفعتها نقابة المزارعين الفرنسيين ضد شركات فرنسية تستورد المنتجات الزراعية الصحراوية للسوق الأوروبية، وذلك بالنظر لخرقها قرارات المحكمة الأوروبية وقوانين حماية المستهلك، وحقه الثابت في معرفة منشأ تلك المنتجات.
ولكون استيراد منتجات الصحراء الغربية نحو السوق الأوروبية يمس بتنافسية منتجات المزارعين الأوروبيين، بسبب استفادة المنتجات الصحراوية من أفضلية جمركية على أساس أنها قادمة من المغرب، وهي ليست كذلك، بل هي قادمة من إقليم مختلف، هو الصحراء الغربية.
وكان مجلس ومفوضية الاتحاد الأوروبي قد تقدّما في ديسمبر 2021 بطعن ضد حكم المحكمة الأوروبية، الذي كان قد صدر قبل نحو ثلاثة أشهر، أي في سبتمبر 2021، وقضى بإبطال اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري الموقعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب دون استشارة الشعب الصحراوي وممثله الشرعي، جبهة البوليساريو، وأكّد على الوضع “المنفصل والمميز” لهذا الإقليم مثلما ورد في اللائحة 2625 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
أمل كبير في حكم عادل
الأحكام المنتظرة غدا من المحكمة الأوروبية حاسمة ومصيرية بالنسبة للمعركة القضائية والقانونية التي تخوضها جبهة البوليساريو باسم الشعب الصحراوي بهدف فرض سيادته الحصرية على ثرواته الطبيعية، ومنع الاحتلال المغربي من مواصلة نهبها بالتواطؤ مع الاتحاد الأوروبي وقوى دولية أخرى في خرق واضح لأحكام العدالة الدولية واللوائح الأممية التي تؤكّد بشكل واضح وصريح أن الصحراء الغربية إقليم خاضع للاستعمار، ومعني بتقرير المصير، كما تجزم بانفصاله وتمايزه التام عن المغرب الذي يسعى بكلّ الوسائل والطرق الخبيثة لترسيخ سيطرته عليه، متجاهلا بأنّ للإقليم الصحراوي شعب متمسّك به وغير مستعدّ للتفريط فيه مهما كانت الضغوط والمؤامرات والتضحيات.
الصّحراويّون يترقّبون بأمل كبير حكما عادلا من المحكمة الأوروبية يؤكّد قراراتها السابقة القاضية بإلغاء الاتفاقيتين الرئيسيتين الموقّعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب حول المنتجات الزراعية والصيد البحري، وهم متفائلون بأن العدالة ستنصفهم، وبأنّهم سيكسبون المعركة القانونية من خلال انتزاع حكم يحظر، بشكل واضح وحاسم، نهب ثروات الإقليم ما يقطع الشريان الذي يغذي الاحتلال، ويدفع نحو تنفيذ مخطط التسوية السلمية للقضية الصحراوية التي تعتبر آخر قضية تصفية استعمار في القارة السمراء.
وبالتأكيد سيكون إصدار محكمة العدل الأوروبية غدا حكما لصالح الصحراويين، خير ردّ على المواقف الشاذة والخرقاء التي اتخذتها بعض القوى الغربية باعترافها بالسيادة المزعومة للمغرب على الصحراء الغربية؛ لأنّه سيجدّد تأكيد الطبيعة القانونية للإقليم بصفته محتلا ومنفصلا ومتمايزا عن المغرب، ويرسّخ حق الشعب الصحراوي الثابت وغير القابل للتصرف في تقرير المصير وسيادته على ثرواته، واعتبار جبهة البوليساريو ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي مع تمتّعها بالشخصية القانونية الدولية للتقاضي باسم الصحراويين أمام المحاكم الأوروبية، إلى جانب ضرورة الحصول على موافقة الشعب الصحراوي كشرط سابق لأي استغلال لثروات الاقليم.
مؤشّرات إيجابية
حظوظ انتزاع الشّعب الصحراوي لمكسب قضائي جديد يدعم قضيتهم تبدو كبيرة، ويمكن أن نستشفّ ذلك من خلال الاستنتاجات التي كانت المدعية العامة للاتحاد الأوروبي، “تمارا كابيتا”، قد قدّمتها في مارس الماضي بخصوص اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري الموقّعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، حيث أوصت بإلغائهما وأكّدت رفضها للطعون التي تقدّم بها المجلس والمفوضية الأوروبية حول الاتفاقيتين؛ لأنهما تشملان إقليم الصحراء الغربية، داعية الهيئتين إلى الالتزام باحترام القانون الدولي فيما يتعلق بالصحراء الغربية، وعدم الانصياع لضغوطات واستفزازات الاحتلال المغربي.
وأيّدت “تمارا كابيتا” بقوّة إلغاء اتفاقية الصيد الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في عام 2019، والتي كان الأسطول الإسباني هو المستفيد الرئيسي منها، ما أثار جنون المستعمر القديم الذي ظلّ ولا زال يستغل المياه الإقليمية الصحراوية لنهب الثروة السمكية التي تزخر بها.
وخلص رأي المحامية إلى أن “عدم معاملة المجلس والمفوضية لإقليم الصحراء الغربية والمياه المتاخمة لها على أنها منفصلة ومتميزة عن المملكة المغربية، لم يحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”. كما تضمّنت استنتاجاتها تأكيدها على ضرورة وضع تسمية الصحراء الغربية على المنتجات القادمة من الأراضي الصحراوية أو من مياهها الإقليمية؛ لأنّ الصحراء الغربية والمملكة المغربية - كما أكّدت - إقليمان منفصلان ومتمايزان.
وقد أشارت جمعية مراقبة الثروات وحماية البيئة بالصحراء الغربية، حينها، أنّ المحامية العامة لدى محكمة العدل الأوروبية انتصرت لحق الشعب الصحراوي.
بدورها، أكّدت جبهة البوليساريو أنّ سلسلة الاستنتاجات التي قدمتها “تمارا كابيتا” فيما يتعلق بأصل المنتجات الزراعية القادمة من الصحراء الغربية المحتلة واتفاقيات الصيد وتوسيع الاتحاد الأوروبي للأفضليات التعريفية للمغرب، شكّلت تقدّما حاسما في الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال، وبالتالي، فإن التأكيد غدا على حتمية موافقة الشعب الصحراوي على أية عملية اقتصادية في الصحراء الغربية من شأنه أن يشكّل صفعة موجعة وانتكاسة كبرى للمغرب، لأن ذلك لن يؤدّي فقط إلى وقف نهب الثروات الصحراوية التي تغذي الاحتلال وتطيل أمده، وهذه ضربة قاصمة له، بل ستفرض على الدول الأوروبية المتآمرة الالتزام بالقوانين الدولية التي تمنع نهب ثروات الشعوب وخرق الشرعية الدولية، مع العلم أن الانحياز والتواطؤ الأوروبي مع الاحتلال المغربي هو سبب بلاء الشعب الصحراوي، الذي لا يستوعب كيف لمجموعة من الدول تتغنّى صباح مساء بحقوق الإنسان وبالدفاع عن الشعوب التي تعاني من الاحتلال والانتهاكات والظلم، هي ذاتها من يخترق هذه الحقوق، ويتجنى على الأفراد ويمنع عنها حقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال والاستفادة من ثرواتها.
على أوروبا الاصطفاف مع الحق والقانون
العدالة ستحسم المعركة القانونية لصالح الصحراويين، ما في ذلك شكّ، لكن صدور أحكام تبطل الاتفاقيات التي تشمل بصفة غير شرعية أراضي الجمهورية الصحراوية ومياهها الإقليمية وثرواتها لا يكفي؛ لأن تنفيذ هذه الأحكام وعلى جميع الجهات المعنية، من حكومات ومؤسسات وشركات والتقيد التام بمنطوق حكم محكمة العدل الأوروبية هو الأمر الأهم حتى لا تبقى مجرد حبر على ورق.
لهذا، على الإتحاد الأوروبي أن يتوقّف عن الطعن في قرارات العدالة التي لا تخدم حليفه المغربي ولا تخدمه هو أيضا، باعتباره يستفيد بلا حساب من مقدّرات الصحراويين، وعليه بدل ذلك أن يلتزم بالقوانين التي تقرّ بحتمية المرور عبر ممثل الشعب الصحراوي، البوليساريو، في عقد أي صفقة تجارية أو بحرية مع الصحراء الغربية، وقبل ذلك وبعده، على المؤسسات الأوروبية أن تضع حدّا لسياسة شراء الذمم والابتزاز عبر التجسس التي يمارسها الاحتلال المغربي لانتزاع مواقف داعمة من نواب ومسؤولين أوروبيّين.
لكن، من المهم لفت الانتباه إلى أنّه، وكما أن هناك نوابا ومسؤولين أوروبيين يؤيدون السياسة الاستعمارية للاحتلال المغربي ويشاركونه نهب ثروات الصحراويين، هناك نواب ومسؤولون يدعون - في كلّ مناسبة - إلى احترام تطبيق قرارات محكمة العدل الأوروبية التي نصت صراحة على أن الصحراء الغربية “إقليم منفصل ومتميز” عن المملكة المغربية، وبأن الاتفاقات الموقّعة بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تنطبق على هذا الإقليم، كما يرافعون دوما لأجل أن ينضم الاتحاد الأوروبي إلى مجهودات الأمم المتحدة التي تهدف إلى ضمان تسوية عادلة ودائمة يقبلها طرفا نزاع الصحراء الغربية تكون قائمة على حق تقرير المصير طبقا للوائح ذات الصلة، جازمين بأن لا سيادة للمغرب على الصحراء الغربية.
في الأخير، يبقى من الضروري الإشارة إلى أن الشعب الصحراوي الذي يخوض نضاله بالسلاح والدبلوماسية وعبر المحاكم، يسير في الطريق الصحيح، ومهما اعترضت طريقه من عراقيل، عليه الصّمود ومواصلة المقاومة بصف واحد موحّد حتى تحقيق النصر.
”العـدل الأوروبيـة” تقول كلمتـها غـدا
الصّحراويّـون متمسّكـون بفرض سيـادتهم على ثرواتهم
فضيلة دفوس
شوهد:277 مرة