أثارت محاولة آلاف المغاربة الهجرة غير الشرعية، مساء الأحد، من مدينة الفنيدق إلى سبتة الاسبانية، ردود فعل داخلية غاضبة أجمعت كلّها على أن موجة الهروب الجماعي هذه ما كانت لتحدث لولا حالة الفشل السياسي والاقتصادي الذي تعيشه المملكة، كما خلصت إلى أن الفقر المدقع وضنك المعيشة الذي سبّبته سياسات المخزن المستبدة الفاشلة لم تترك مجالا للشباب غير الرغبة الجامحة في الهجرة بحثا عن فرصة العيش الكريم والأمان ولو بركوب مخاطر البحر.
ندّدت “شبيبة العدل والإحسان” المغربية، بالأحداث التي تعيشها مدينة الفنيدق ومحيط سبتة الاسبانية منذ أسابيع، بعد التزايد الملحوظ لموجات هجرة الشباب والأطفال، والتي كان آخرها حملة 15 سبتمبر التي أطلقتها مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوا فيها إلى مغادرة جماعية نحو سبتة.
وقالت شبيبة الجماعة في بيان لها، إن تزايد موجات الهجرة نحو سبتة الاسبانية، تعكس “واقعا مريرا ومؤلما يعيشه المغرب وتعد عنوانا لفشل سياسات دولة تنشغل ببناء الملاعب الضخمة وتنظيم الحفلات الباذخة واستضافة المهرجانات، بينما يواجه شبابها تهميشا، ويقتل الطموح أمام أطفالها. وإن هذه الأحداث المتلاحقة تشكل عنوانًا لفشل سياسات التنمية والاهتمام بالشباب، وتدق ناقوس الخطر المحدق بمستقبل البلاد”.
الثقــة في مستــوى الصفـــر
واعتبرت “شبيبة العدل والإحسان”، أن الانخراط الواسع في هجرة البلد لمختلف الفئات الشابة، بكل ما يحملونه من حقد وغضب وإحباط، ومحاولاتهم المستميتة لمغادرة المغرب بشتى السبل والوسائل، يعكس فقدان الثقة والأمل في إمكانية تحقيق حياة كريمة داخل البلاد، يدق ناقوس خطر يهدد استقرار الوطن ومستقبله.
وأكدت المنظمة أن مشاهد الشباب والأطفال وهم يخاطرون بحياتهم عبر محاولات جماعية للعبور إلى سبتة الاسبانية، تعكس حجم اليأس والإحباط الذي وصل إليه جيل المستقبل، وفشل دولة بمؤسساتها ومسؤوليها بكل درجاتهم في توفير حياة كريمة وآمنة لأبنائها.
المقاربــة الأمنيــة توسّع الشـــرخ
وشددّت “شبيبة العدل والاحسان” على أن الأزمة أعمق من مجرد رغبة في الهجرة من بلد إلى بلد، بل هي رغبة في البحث عن كرامة مفقودة وبحث عن حياة آمنة وذات معنى في سياق تفاقم الفشل في تدبير هذا البلد على كل المستويات.
وأكدت الهيئة ذاتها، على أن مقاربة مشاكل الشباب تحتاج إرادة سياسية جادة، ونهجا شموليا لا يُستغنى فيه بالاقتصادي عن التربوي، ولا يغني فيه الاجتماعي عن الدعم النفسي، وإن الإدماج لا ينطلق إلا بتحقيق أسبابه الحقيقية بداية من الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والمجالية وإحساس الإنسان بإنسانيته، وأن المقاربة الأمنية الصرفة في التعامل مع الشباب المندفع نحو الهجرة، سيفاقم الأزمة ويزيد من تنفير أبناء الوطن من وطنهم، وإن الحفاظ على سلامة الأجساد والأرواح من الأولويات وإن البلد في حاجة لكل شبابه.
التفقير والقمع يولّد الانفجار
من جهته، سجل حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي” المغربي استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانهيار القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المغاربة بسبب الغلاء الفاحش.
ونبّه الحزب إلى عجز الحكومة عن معالجة مرضية لمخلفات زلزال الحوز رغم مرور سنة على وقوعه، مع انعدام أي مخطط لمواجهة تدّاعيات الجفاف، وقد انضافت لفشل الحكومة أزمة فيضانات الجنوب الشرقي، والتي عرت عن هشاشة البنية التحتية.
وتوقف الحزب على استفحال تردي المشهد السياسي، بدليل الخروقات التي عرفتها الانتخابات الجزئية الأخيرة بدائرة المحيط بالرباط، والتي عرفت نفس عمليات الإفساد المألوفة في جميع الانتخابات السابقة.
وعبر “الفيدرالية” عن قلقه البالغ إزاء تزايد محاولات الشباب المغربي العبور إلى سبتة الاسبانية عبر السباحة، مخاطرين بحياتهم بحثا عن مستقبل أفضل، وهو ما يعكس حالة اليأس والإحباط الناتجة عن ارتفاع معدلات البطالة والأزمة الاقتصادية التي أكدتها تقارير المندوبية السامية للتخطيط، ودعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة، عبر توفير فرص عمل وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية خصوصا في أوساط الشباب وبالمناطق المهمشة.
أرقـام قياسيـة في.. الإخفـاق
وحمل الحزب المسؤولية كاملة للحكومة المغربية عن فشلها الذريع في تدبير أزمة كليات الطب والصيدلة، بإصرارها على رفض الاستجابة للمطالب المشروعة للطلبة التي ترمي لخدمة الأمن الصحي للمغاربة.
كما نبّه إلى خطورة التمرير القسري للقوانين (القانون المدني والجنائي ومشروع قانون الإضراب…)، وكل محاولات الإجهاز على أصوات التصدي للفساد ومحاربته من طرف الجمعيات الحقوقية والمدنية.
وفي السياق، دعت الفيدرالية للمشاركة المكثفة في الوقفة الاحتجاجية ضد الفساد، يوم السبت 21 سبتمبر أمام البرلمان، والتي دعت إليها الجمعية المغربية لحماية المال العام.
كما استنكر الحزب مخطط المساس بالحقوق المكتسبة لموظفي القطاع العام من خلال ما يسمى بإصلاح صناديق التقاعد، وأنظمة التغطية الاجتماعية.
وخلص بلاغ الفيدرالية إلى المطالبة بإطلاق سراح كل المعتقلين على خلفية سياسية وفي مقدمتهم معتقلو الحراكات الشعبية، وكذا وقف التهديدات والمتابعات الجنائية في حق الصحفيين، كمقدمة لخلق انفراج سياسي واجتماعي يضمن الحقوق والحريات ويعيد الثقة في المستقبل.
محاسبـة المسؤولين
في السياق، حملت فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، مسؤولية لجوء مئات الشباب المغاربة ومن ضمنهم قاصرون إلى سلك طريق الموت للدخول إلى سبتة الاسبانية.
وقالت التامني في سؤال كتابي لأخنوش “إن هؤلاء الشباب حاولوا الدخول إلى سبتة بعدما ضاقوا ذرعا بالفقر والبطالة والتهميش، مع استمرار السياسات اللاشعبية، التي لا تزيد الفقير إلا فقرا والغني ثراء”.
ونبهت النائبة إلى أن الفقر والإقصاء والبطالة وعدم توفير فرص الشغل الكريم والمستدام، مع غلاء المعيشة؛ كلها عوامل، إلى جانب أخرى، ساهمت في اتجاه هؤلاء الشباب للمغادرة والتضحية بأرواحهم في سبيل البحث عن سبل عيش أفضل تقربهم من حلم الحياة الكريمة المنشودة.
وأكدت التامني أن حكومة أخنوش فشلت في تدبير معظم الأزمات، ولم تستطع ثني الشباب عن فكرة الرحيل، ولم تستطع تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية والحد من الإقصاء والتهميش، فعشرات الشباب الراغبين في سلك طريق الموت ينحدرون من المغرب العميق الذي جابهته السيارات رباعية الدفع محملة بوعود انتخابية لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع.
وخلصت التامني إلى مساءلة أخنوش عن جدوى سياسات عمومية لا تنعكس على المواطنات والمواطنين، بل ومسؤولة عن تدهور أوضاع شرائح واسعة من المغاربة، وعن الإجراءات العاجلة لإنقاذ الشباب الذين اختاروا طريق الموت نتيجة اختلالات سياسية كرست الإهمال وتغذية اليأس والإحباط.