عندما ينقلب السّحر على السّاحـر

الجمهورية الصحراويـة تتعــزّز إفريقـيّا والمخزن يلعق الخيبة

فضيلة دفوس

إفريقيـا تصفع المخزن وتؤكد حقّ الصحراويـين في الحريـة

مرّ الأسبوع صعبا على النظام المغربي الذي مني بهزيمة دبلوماسية نكراء خلال الدورة التاسعة لندوة “تيكاد” الدولية التي انعقدت يومي السبت والأحد الماضيين في العاصمة اليابانية طوكيو، فهذه الندوة التي خطّط المخزن لأن يجعلها موعدا لإقصاء الجمهورية الصحراوية من المشاركة في اجتماعات الاتحاد الإفريقي، سرعان ما تحوّلت إلى محطّة حاسمة ليس فقط لترسيخ الوجود الصحراوي في المنتظم القاري، بل ولتعزيز وتمتين الدعم الإفريقي لتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في القارة السمراء.

 في طوكيو، انقلب السّحر على السّاحر، والمغرب الذي ذهب إلى هناك محمّلا بحقده و«بلطجته” للنيل من القضية الصحراوية العادلة، سرعان ما وجد نفسه مغشيا عليه، واقعا في الفخّ الذي نصبه للوفد الصحراوي، هذا الأخير الذي نجا من المؤامرة المخزنية المقيتة وشارك في ندوة “تيكاد” ككل أعضاء الاتحاد الإفريقي، وحظي بدعم كبير من الوفود الحاضرة هناك والتي أفزعها هول ما رأته وما وقفت عليه من سلوك مغربي أرعن امتد إلى استعمال العنف والافتراءات والأكاذيب.

للبلطجة سوابق وللغدر جذور

في الواقع، إن ما أقدم عليه المغرب في اليابان لم يكن أمرا جديدا ولا مفاجئا، فالمسرحية المملة التي عرضها هناك رغما عن الحاضرين، سبق وأن عرضها في بلدان أخرى مع بعض الرتوشات الركيكة.
وقبل هذه المرّة، حاول نظام الاحتلال المغربي في العديد من المناسبات عرقلة مشاركة الوفود الصحراوية في اجتماعات “تيكاد”، ففي سنة 2018 بعاصمة الموزمبيق، مابوتو، تحول رئيس دبلوماسية المغرب ناصر بوريطة من وزير للخارجية إلى حارس أمن يقف بنفسه أمام مدخل قاعة الاجتماعات حتى يسدّ منفذ الدخول أمام الوفد الصحراوي، بل وحاول وفده منع وزير خارجية الموزمبيق من الدخول رفقة وزير الخارجية الصحراوي ما جعل البلد المضيف يتخذ خطوات صارمة ضد الوفد المغربي، ويمنع جل أعضائه من الدخول إلى قاعة انعقاد الندوة.
وفي اجتماع “تيكاد” بجنوب إفريقيا، اختلق السفير المغربي بأديس أبابا مواجهة لفظية مع الوفد الصحراوي، ووجّه كلاما لا أخلاقيا مسيئا للجميع، وحاول عرقلة المشاركة الصحراوية ليحصد الخيبة والاستنكار كالعادة.
أما في قمة “تيكاد” بتونس في أوت 2022، والتي حضرها رئيس الجمهورية الصحراوية، السيد ابراهيم غالي، واستقبله نظيره التونسي كبقية الرؤساء الأفارقة، جنّ جنون المغرب الذي قام بمقاطعة القمة وأصدر بيانا شديد اللهجة تهجّم فيه على تونس، وسحب سفيره منها. لكنه بالمقابل، التزم الصمت تماما عندما شارك الرئيس الصحراوي قبلها بأشهر في فيفري 2022 في قمة شراكة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، حيث حضر الوفد الصحراوي بينما كانت فرنسا ترأس الاتحاد الأوروبي. ولم يعترض المغرب، ولم يقم بأي إدانة ضد فرنسا أو بلجيكا البلد المضيف، ولم يستدع أو يسحب سفراءه، وبالتالي، أدرك الجميع بأن المغرب يتطاول على الدول الإفريقية لاعتقاده بأن لديه أوراق ضغط عليها، أو لأنه يعتبرها ضعيفة، بينما يتفادى مواجهة الدول الأقوى منه.
المغرب حاول أيضا استبعاد الجمهورية الصحراوية من المشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية التي كانت مقرّرة نهاية 2023، غير أن الدبلوماسية الصحراوية، مدعومة من طرف مجموعة كبيرة من الدول الوازنة في المنتظم القاري، أجهضت هذه المحاولة اليائسة ما أدى إلى إلغاء هذه القمة تماما.

نوايا غادرة
ندرك مما سبق، أن ما وقع في اليابان بداية الأسبوع، ليس حالة طارئة أو أمرا مفاجئا، بل هو منهج مقصود تبنّاه المغرب منذ أن قرّر العدول عن سياسة الكرسي الشاغر والانضمام إلى الإتحاد الإفريقي الذي كان قد انسحب منه عام 1984 عندما كان يسمى “منظمة الوحدة الإفريقية”.
المغرب لم يخف مقصده من الانضمام مجددا إلى البيت الإفريقي بعد غياب دام 33 عاما، وأعلن صراحة بأن غايته من العودة التي كانت في 2017، هو إلغاء عضوية الجمهورية الصحراوية في المنتظم القاري، وسحب ملف آخر قضية لتصفية الاستعمار في القارة السمراء من أجندة الاتحاد الإفريقي الذي أنشئ أصلا من أجل تحرير الشعوب الإفريقية من الاستعمار و«الأبارتيد”.
بالموازاة مع تحديد هدفه الخبيث هذا، عمد الاحتلال المغربي إلى رسم معالم أسلوبه المافياوي وأدواته القمعية لتحقيقه والتي تقوم على مطاردة الوفود الصحراوية عبر البلطجة والعنف والغدر لمنعها من حضور قمم واجتماعات الاتحاد الإفريقي، لكن هذا الأسلوب الأرعن كان يفشل في كل مرّة، وكل القمم والاجتماعات الإفريقية تتمسّك بعضوية الجمهورية الصحراوية وترفض عزلها وإقصاءها، بل وقد اضطرّ المخزن صاغرا في كل مناسبة للحضور جنبا إلى جنب مع الوفود والمسؤولين الصحراويين، وهناك قمم حضرها الملك محمد السادس إلى جانب الرئيس إبراهيم غالي، وهذا يكفي ليثبت بأن المغرب، ومهما حاك من مؤامرات، فإنّه لن يستطيع إخراج الجمهورية الصحراوية من المنتظم القاري لأسباب رئيسية، أوّلها لأنها عضو مؤسس في لاتحاد الإفريقي ولا يمكن عزلها بجرة قلم تحت طلب أو برغبة من عضو آخر، ثانيا؛ لأن الدول الإفريقية في مجموعها، وعكس المزاعم المغربية، تؤيد الوجود الصحراوي في البيت الإفريقي وتدعم تقرير المصير في الجمهورية الصحراوية، وهناك دول تدافع بشراسة على القضية الصحراوية مثل جنوب إفريقيا التي كانت قد صوّتت هي وزيمبابوي وموزمبيق وليسوتو وناميبيا وأنغولا وبوتسوانا وأوغندا ضدّ انضمام المغرب للاتحاد الإفريقي قبل سبع سنوات.

صخرة الرفض الإفريقي
إن الهدف الذي حدّده نظام المخزن وعمل على تحقيقه منذ أن قرر التخلي عن سياسة الكرسي الشاغر تبخر، ليكرّر المغرب جلوسه إلى جانب الدولة الصحراوية ليس فقط داخل هيئات الاتحاد الإفريقي، وإنما كذلك على مستوى مؤتمرات وقمم الشراكة مع مختلف المنظمات الدولية والقارية.
ومع تكرار هذا الجلوس، يتجدّد اعتراف المغرب، شاء ذلك أم رفض، بالجمهورية الصحراوية، فتوقيعه على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، هو في حدّ ذاته اعتراف بجميع الدول الأعضاء، بما في ذلك الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.
قبول الملك الراحل الحسن الثاني، عام 1989 إجراء استفتاء لتقرير المصير لتسوية القضية الصحراوية، هو أيضا اعتراف صريح بالجمهورية الصحراوية وبالحل المتفاوض عليه كما توصي به لوائح الأمم المتحدة.
ولم تتوقف خيبة أمل المغرب عند هذا الحد، حيث حققت معاركه الدونكيشوتية المناهضة للشرعية نتائج عكسية على مستوى الاتحاد الإفريقي الذي أجهض محاولة تهميش دوره بشأن ملف القضية الصحراوية، وأعلن تمسكه بالدور المشترك وبالتكامل مع الأمم المتحدة لحل هذا الملف عبر استفتاء لتقرير المصير، وليس عبر الخيار الاستعماري الذي يريد الاحتلال المغربي فرضه خارج أسوار الهيئة الأممية.
وكان مجلس السلم والأمن الإفريقي، أقر في أكثر من مناسبة، العمل لإيجاد تسوية سلمية للنزاع بين الجمهورية الصحراوية والمغرب، وشدّد على ضرورة أن يكون الحل على أساس تطبيق مقتضيات الميثاق التأسيسي للاتحاد وخاصة المادة حول إلزامية احترام الحدود وعدم استعمال القوة أو التهديد باستعمالها بين الدول الأعضاء وقبول الحل السلمي بالحوار والتفاوض.
وعلى المستوى العملي، حدد مجلس السلم والأمن الإفريقي الأهداف التي ستجرى على أساسها المفاوضات بين الدولتين العضوين: الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية. كما قرر إرسال بعثة للقيام بزيارة ميدانية بغية تقصى الحقائق ورفع تقرير في أقرب الآجال إلى المجلس، واتخاذ الخطوات لافتتاح مكتب الاتحاد في مدينة العيون المحتلة لمتابعة الوضع.
كما قرّر مجلس السلم والأمن الإفريقي مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار رأي قانوني من طرف قسم المستشار القانوني للأمم المتحدة حول شرعية تواجد ما يسميه المغرب بـ«القنصليات” الوهمية في الصحراء الغربية باعتبارها إقليما ما زال خاضعا لتصفية الاستعمار وتحت مسؤولية المنظمة الدولية.

ما بني على باطل.. هو الباطل

عكس مخططاته ورغباته، اصطدم المغرب في طوكيو بجدار من الرفض الإفريقي لعزل الجمهورية الصحراوية أو المساس بمكانتها داخل البيت القاري، وحمل البيان الختامي لقمة “تيكاد” كما قال الدكتور سيدي محمد عمار، ممثل جبهة البوليساريو في الأمم المتحدة، قيمة مضافة للقضية الصحراوية حيث وضع النقاط على الحروف، وأكد من جديد موقف الاتحاد الأفريقي الواضح بخصوص حق كل أعضائه في المشاركة في اجتماعات الشراكة بينه وبين شركائه الدوليين.
كما أكّد البيان من جديد على أن الدولة الصحراوية حقيقة لا رجعة فيها قارياً ودوليا، وأثبت بكلّ وضوح أن دول الاتحاد الإفريقي تقف في صف واحد، وأن هناك دولة واحدة تغرّد خارج السّرب وتعمل على نسف وحدة واستقرار التكتل الإفريقي وهو الأمر نفسه الذي تفعله في منطقة شمال القارة وجوارها من خلال ربط علاقات مع كيانات دموية تذمر الشرّ للإنسانية وتنشره حيثما حلّت.
ندوة طوكيو، كانت بالنسبة للاحتلال المغربي محطة فشل أخرى سياسيا وأخلاقيا، فعلى المستوى السياسي جدّدت الندوة التأكيد على العضوية الإفريقية الكاملة للجمهورية الصحراوية وحقها في حضور كل اجتماعات الشراكة بين الاتحاد الأفريقي وشركائه الدوليين، فكان ذلك مكسبا كبيرا لقضيتها العادلة، أما على المستوى الأخلاقي فقد كانت السقطة الكبرى للمخزن حيث انكشفت أكاذيبه وزيف دعاياته، وتجلت رعونته وتأكّد للجميع بأنه نظام مستعد لاستخدام كل الأساليب لتحقيق أهدافه غير المشروعة.
 في طوكيو إذن، كانت السقطة المميتة للدبلوماسية المغربية، وتجلّى واضحا بأن نظام المخزن الذي يعتمد في سياسته وتعاملاته على التآمر والقمع، ويلجأ للابتزاز وشراء الذمم، ويشدّ على أيد مخضبة بدماء أطفال ونساء غزة، لا يمكنه مطلقا، حتى وإن تحالف مع الشيطان، أن يحقق نصرا على الجمهورية الصحراوية، لأن معركته خاسرة منذ البداية وما بني على باطل فهو باطل.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024