فضحت ظروف وخلفيات انعقاد ندوة طوكيو الدولية حول التنمية في إفريقيا (المعروفة اختصارا بتيكاد) أكاذيب الدعاية المغربية المتعددة ومستوى الضحالة والفشل الرسمي المغربي في مواجهة الانتصارات الحقيقية التي ما فتئت القضية الصحراوية تحققها على مختلف الجبهات رغم الكم الهائل من الفساد والإفساد الذي يستعمله الاحتلال لشراء الذمم، وللتعتيم على حقيقة هزائمه المتكررة.
بالنسبة لاجتماعات ندوة طوكيو الدولية، أو “تيكاد “، فهي شراكة متعددة الأطراف بين الاتحاد الأفريقي واليابان بالإضافة إلى الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والبنك الدولي. وبما أن الاتحاد الأفريقي المُنظِّمٌ بالشراكة لهذه الندوة فمن حق الجمهورية الصحراوية المشاركة فيها بغض النظر عن موقف أو رغبات الأطراف الشريكة الأخرى أو البلد المضيف.
إن حق الجمهورية الصحراوية في المشاركة نابع من قرارات الاتحاد الأفريقي الواضحة، والتي تؤكد على أن لجميع دول الاتحاد الأعضاء، ما لم تكن خاضعة لعقوبات من قبل الاتحاد أثناء انعقاد الندوة، الحق في المشاركة في كل الاجتماعات التي ينظمها الاتحاد أو يشارك في تنظيمها (التيكاد، قمة الاتحاد الأفريقي-الاتحاد الأوروبي، قمة الاتحاد الأفريقي-الجامعة العربية مثالا).
مهازل متكرّرة وفضائح متراكمة
غير أن نظام الاحتلال المغربي منزعج من هذا الحضور المتنامي للجمهورية الصحراوية في محافل دولية متعددة الأطراف، حيث أن هذا الحضور يكشف زيف دعاياته، ويضعه في الحرج أمام حلفائه الذين يضغط عليهم لرفض مشاركة الدولة الصحراوية في الأنشطة الافريقية التي قد تنظم لديهم.
وبالتالي حاول نظام الاحتلال مرارا وتكرارا عرقلة مشاركة الوفود الصحراوية في اجتماعات “تيكاد”، فمثلا حاول وزير الخارجية المغربي نفسه خلال اجتماعات “تيكاد” سنة 2018 بمابوتو، بالموزمبيق، منع الوفد الصحراوي من دخول قاعة الاجتماعات، بل ووقف بوريطة وبشكل أثار سخرية واستغراب الجميع حارسا نزقا أمام باب قاعة الاجتماع بنفسه، بل وحاول وفده منع وزير خارجية الموزمبيق من الدخول رفقة وزير الخارجية الصحراوي آنذاك ما جعل البلد المضيف يتخذ خطوات صارمة ضد الوفد المغربي، ويمنع جل أعضائه من الدخول لمكان انعقاد الندوة.
وفي اجتماعات “تيكاد” بجوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، اختلق السفير المغربي بأديس أبابا مواجهة لفظية مع الوفد الصحراوي، ووجه كلاما نابيا ومسيئا للجميع، وحاول عرقلة المشاركة الصحراوية ليحصد الفشل كالعادة.
وفي قمة “تيكاد” بتونس في أوت 2022، والتي حضرها رئيس الجمهورية الصحراوية، السيد ابراهيم غالي، واستقبله نظيره التونسي كبقية الرؤساء الأفارقة، أقام المغرب الدنيا ولم يقعدها، بل وسحب سفيره من تونس حينها وأصدر بيانا شديد اللهجة تهجّم فيه على تونس. لكنه بالمقابل التزم الصمت تماما عندما شارك الرئيس الصحراوي قبلها بأشهر في فيفري 2022 في قمة شراكة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، والتي شارك فيها الوفد الصحراوي بينما كانت فرنسا ترأس الاتحاد الأوروبي. ولم يعترض المغرب، ولم يقم بأي إدانة ضد فرنسا أو بلجيكا البلد المضيف ولم يستدع أو يسحب سفراءه. وبالتالي أدرك الجميع أن صراخ المغرب يعلو فقط ضد الدول الأفريقية أو الدول التي لديه أوراق ضغط ما عليها.
المغرب حاول أيضا استبعاد الجمهورية من المشاركة في قمة الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية نهاية 2023، غير أن الدبلوماسية الصحراوية، مدعومة من طرف مجموعة كبيرة من الدول الوازنة في المنتظم القاري، أجهضت هذه المحاولة اليائسة ما أدى إلى إلغاء هذه القمة.
الأفارقة ضاقوا ذرعا من رعونة المخزن
أكثر من ذلك، لم يتوقف المغرب يوما خلال الاجتماعات العادية والمتواصلة للجنة الممثلين الدائمين لدى الاتحاد الأفريقي عن محاولة تغيير نصوص قرارات الاتحاد المتعلقة بتصنيف الشراكات، وبطبيعة المشاركة فيها، حيث يريد الاحتلال تغيير تصنيف التيكاد من شراكة متعددة الأطراف بين الاتحاد والشركاء المذكورين أعلاه، إلى شراكة بين الدول الأفريقية ودولة اليابان، حيث أن هذا النوع الأخير من الشراكات لا يستدعي مشاركة جميع الدول الأعضاء.
وجدير بالذكر أن العديد من الدول الأفريقية قد بدأت تضيق ذرعا بأساليب البلطجة الفجة التي يلجأ لها الدبلوماسيون المغاربة، وعلى رأسهم سفير المغرب لدى الاتحاد الأفريقي، المعروف برعونته وبافتقاده لأبسط الأخلاق وآداب الحوار، والذي تسبب مرات عديدة في إفشال اجتماعات اللجان الفرعية للجنة الممثلين الدائمين، أو في توتير أجوائها.
وفي النهاية، يمكن القول أن المهازل المتكررة لنظام الاحتلال، والفضائح المتراكمة التي يسقط فيها أزلامه بين الفينة والأخرى، ليست سوى انعكاس لمستوى التفاهة وفقدان الأهلية لممثليه الدبلوماسيين والسياسيين، وعجزه عن الاقناع لفقدانه الحجة والبرهان، لكنها أيضا انعكاس حقيقي لقوة حجة وشرعية القضية الصحراوية وللضربات الموجعة التي يتلقاها نظام الاحتلال المغربي في مختلف جبهات القتال، والمواجهة.