مازال القرار الفرنسي الغادر للقضية الصحراوية يثير المزيد من التنديد والاستنكار والدعوة لمراجعته والعودة إلى الشرعية الدولية التي تقرّ منذ أزيد من ستّة عقود بأن الإقليم الصحراوي محتلّ ومعني بتصفية الاستعمار في إطار مخطط الأمم المتحدة للسلام الذي وافق عليه طرفا النزاع “ البوليساريو والمغرب “ قبل 30 سنة.
اعتبرت الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي، أن القرار الفرنسي يمثل خطًر ا مطبًقا على السلم والأمن في المنطقة، وانتهاكًا صارًخا للمبادئ الأساسية للنظام الدولي والشرعية الدولية، لاسيما مبادئ العدل والمساواة بين الشعوب وحق تقرير المصير للشعب الصحراوي واحترام حقوقه الإنسانية، والحيلولة دون مساعي ضم الأرض بالقوة، وكافة أعمال العدوان.
كما أكّدت الهيئة أن القرار يعد بمثابة ضربة قاضية لمخطط السلام الأممي الافريقي بالصحراء الغربية، وأية مساعي نحو حل سلمي يضمن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي الذي نصت عليه كافة قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وتضيف بأن تجاهل فرنسا لإرادة المجتمع الدولي، وإصرارها الإعلان على دعم مشاريع مشبوهة هدفها مصادرة حق تقرير مصير الشعب الصحراوي، يعتبر خرًقا جسيًما لمسؤوليات الدول غير الأطراف في أي نزاع، على نحو يجعل فرنسا شريًكا في الجرائم التي يتعرض لها الصحراويين بالمدن المحتلة –المدانة من طرف المنظمات الحقوقية الدولية -، وعلى رأسها التعذيب والاعتقال والاحكام القاسية الجائرة والاستيطان، وقطع الأرزاق والتهجير والتهميش والتفقير والتجويع وضم الأرض عنوة.
الأمم المتحدة مُطالبة بالتحرّك
كما قالت الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي، أن الدول الاستعمارية ومن بينها فرنسا، تظاهرت خلال العقود الثلاث الأخيرة بأنها تدعم علنا الجهود الأممية لحل متوافق يضمن حق الشعب الصحراوي، وزعمت أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، لكنها اليوم لم تستطع الاستمرار في التظاهر، وها هي تصدر قراراها المناوئ للشرعية، مما يقوّض دورها وعضويتها في ما يسمى أصدقاء شعب الصحراء الغربية كمساهمين في البحث عن حل عادل ونزيه وديمقراطي.
وشدّدت الهيئة الصحراوية بعد هذه الخيانة الكبيرة، على تحركات فعلية للمجتمع الدولي وحكوماته قصد إصدار قرارات تتضمن خطوات عملية ترفض سياسة فرض الأمر الواقع التي تقوّض السلام والاستقرار في المنطقة.
وقالت إن” الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية، ملزمين بتحركات سريعة للضغط على فرنسا وغيرها من الدول الاستعمارية للعدول عن قرارها، وما دون ذلك من نتائج يعني أن العالم يقبل تمكينهم من الانقضاض والحيلولة دون تطبيق أبسط قواعد العدالة الإنسانية باسترداد شعب لأرضه ووطنه وحياته الطبيعية الحرّة، وحقه في تقرير مصيره، إسوة بغيره من شعوب العالم.”
وختمت بإدانة شديدة لخطوة فرنسا التي قد تؤدي لمزيد من عدم الاستقرار وتأجيج للصراع بالمنطقة وتضاعف من معاناة الشعب الصحراوي.
بدورها، أدانت الجمعية البرازيلية للتضامن مع الشعب الصحراوي في تقرير مصيره قرار فرنسا دعم الخيار الاستعماري المغربي في الصحراء الغربية المسمى “الحكم الذاتي” .
وانتقدت الجمعية البرازيلية، الحكومة الفرنسية لابتعادها عن مبادرات السلام الاممية وعن مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا، مشيرة الى أن “بعض الدول ذات النزعة الاستعمارية لا تحترم الحقوق المشروعة ولا التاريخ ولا حتى الحقائق الاجتماعية والقانونية”.
وأبرزت الجمعية أن “هناك جهودا حثيثة في الأمم المتحدة وفي المحاكم الدولية تسعى لإيجاد حل عادل للنزاع يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ويضع حدا للعنف والقمع والتفريق بين العائلات الصحراوية كما هو الحال مع جدار الذل والعار المليء بالألغام والمتفجرات، والذي يقسم الأراضي والعائلات معا لعقود من الزمن”.
لا مكان لفرنسا بالمينورسو
وأضافت أن “دعم الحكومة الفرنسية لسياسة التوسع والضم المغربي للأراضي الصحراوية يورطها بشكل مباشر. كما يربطها بكل الجرائم الاستعمارية المعادية للديمقراطية التي ارتكبها النظام المغربي ضد الشعب الصحراوي”.
وأعربت الجمعية البرازيلية عن دعمها لموقف الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الداعي إلى الانسحاب الفوري لفرنسا من بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو).
وكانت جبهة البوليساريو قد نددت بشدة بالموقف الفرنسي الأخير الداعم للاحتلال المغربي وشددت على أن فرنسا “لم تعد مؤهلة للانتماء إلى بعثة المينورسو بعد خروجها عن الشرعية الدولية بحكم موقفها المفضوح والمنحاز للطرح المغربي”.
الاشتراكي الفرنسي يعارض خطوة ماكرون
في السياق، أعرب الحزب الاشتراكي الفرنسي عن إدانته للتحوّل الدبلوماسي “المتسرّع” الذي تبنّاه الرئيس إيمانويل ماكرون، حول دعم الطرح المغربي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية، دون استشارة البرلمان، مجددا التأكيد على التزامه بسياسة خارجية تحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان وحرّية الشعوب في تقرير مصيرها.
وأعرب “عن إدانته لهذا القرار الأحادي الجانب، الذي اتخذ دون أدنى نقاش أو تشاور مع البرلمان”.
كما أعرب الحزب الفرنسي عن “قلقه” من العواقب ودعا إلى “دبلوماسية قائمة على التهدئة والحوار”. وتابع يقول “ في الوقت الذي كان من المفترض أن تدير الحكومة المستقيلة شؤون البلاد، فإن الرئيس يمارس لعبة اتصالات من دون رؤية سياسية بعيدة المدى”.
موقف استعماري مرفوض
هذا، وكان النائب البرلماني عن الحزب الشيوعي الفرنسي، جان بول لوكوك، استنكر قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بخصوص الصحراء الغربية، مؤكدا أن موقفه المؤيد للمستعمر لا يليق بفرنسا.
وفي رسالة وجهّها للرئيس الفرنسي، أكد النائب البرلماني أنه أبلغه “أن موقفه المؤيد للمستعمر لا يليق ببلدنا، بل يشوّه صورة فرنسا أمام العالم ويدمر ديمقراطيتنا”، مضيفا أنه دعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية، عبر رسالة، للرد باسم البرلمان، حي يتم احترام القانون الدولي.
وأضاف النائب البرلماني وعضو لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الفرنسي “من منطلق اهتمامي باحترام الكرامة الإنسانية والقانون الدولي وصورة فرنسا، فإنني أندّد بهذا الموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية، الذي يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة في شقه المتعلق بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها”.
واعتبر ذات المتحدث أن “هذا القرار السياسي يتنافى تماما مع القانون الدولي”، خاصة وأن فرنسا كانت تقف على مسافة واحدة في علاقتها مع المغرب والصحراء الغربية.
سيادة القانون الدولي
من ناحية ثانية، أكدت جمعية أصدقاء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أن موقف الرئيس الفرنسي الداعم للطرح المزعوم للمغرب في الصحراء الغربية “خيانة” للموقف الفرنسي التقليدي، داعية إلى العودة إلى احترام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن فيما يخص تسوية النزاع بدلا من الانسياق وراء مصالح الشركات الفرنسية التي تتخذ من المغرب مقرا لها.
وشدّدت الجمعية أيضا على أن الصحراء الغربية “تبقى إقليما لا يتمتع بالاستقلال ولا يمكن وضعه تحت السيادة المغربية”، مضيفة أنه على خطى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، فقد أقرّت محكمة العدل الدولية التابعة للاتحاد الأوروبي، في أحكامها الصادرة، في ديسمبر 2016 وجويلية ونوفمبر 2018 وسبتمبر 2021، أن الصحراء الغربية تعتبر “وضعا منفصلا ومتميزا” عن المغرب وأن لشعبها الحق في تقرير المصير والاستقلال. كما طالبت الجمعية فرنسا بصفتها عضوا في مجلس الأمن، أن تضمن تطبيق خطة السلام لعام 1991 بشكل نهائي مع تمكين إجراء استفتاء على تقرير المصير، وبالمثل، يجب على فرنسا، بصفتها عضوا في الاتحاد الأوروبي أن تحترم أحكام محكمة العدل الأوروبية.